شمس العلماء : شمس لا تغيب

بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي ولائحة طويلة من الإحرازات والتكريمات والخدمات الدّينية والسياسية قد رحل عن عالمنا في ربيع الآخر من شهر أغسطس العالم المفكّر العملاق والقاضي العالم والداعية القدير والقائد الرّوحي لمسلمي الهند ورجل السّلام والمحبة والوئام ورئيس المسلمين ورئيس جمعية العلماء بولاية كيرالا وعميد الكلّيات والقاضي للمحلاّت السّيّد إي. كي. أبو بكر مسليار تاركا وراءه تراثا فكريا عزيزا وفريدا، إنّه شخصية قلما لم نجدها في نوايا التاريخ، وحياته مع الكفاح والنهضة والتجديد والوقوف على وجه الثوريات الزائفة، ورجل لا يذكره أهالي كيرالا إلا قاموا له تبجيلا وتكريما. 

 وقاد مسلمي مليبار بالحكمة والحنكة والتؤدة في حياته، وأمامه جميع طرق الآمال والأحلام وبوّابة مفتوحة لمن أغلقت أمامه جميع أبواب الاطمئنان والسكينة، نعم، يا أبا بكر مسليار كنت لنا قنديل الدجى ومنديل الهفوت، كنت قبلة المحتاجين ومنارة رائعة يسترشد بها من سلك العالم الروحاني، وكانت حياته معا الكفاح والنهضة والوقوف على وجه السيادة في المجالات الروحانية والسياسة ولا يذكره السياسيون أيضا إلاّ صمتوا له تبجيلا، تقديرا لخدماته الجزيلة في المجالات الثقافية والاجتماعية والروحانية.

 وعلى الرغم من ذلك كلّه كان رجلا من العامة عاديا مثل سائر الناس، خفض جناحه للضعفاء وهو يطير في جوّ السماء، وصرف بصره وجعل همه في أسافل الناس وسوّى بين العباد وعدل فيهم، ولم يفرق أو يميز بينهم ، وهذه الفكرة النيرة هي التي جعلته قائدا خريتا ، وحياة يحتضنها العطاء والبذل والكرم والوفاء ، إنّه شمس العلماء ، ذكريات هابة بين المآثر الخالدة، وبعد رحيله من صفحة الدنيا يذكره الجيل بعد الجيل بكل حفاوة بالغة. 

مسيرة النشأة وسيرة التكوين 

ولد في أسرة معروفة بخدماتها الجليلة لأمّة وموافقها الثابتة التّي طالما حنت الأمة المليبارية بكافة أطيافها إلى سماعها والانقياد لها، فتلك الأسرة الّتي تعود أصولها إلى أشراف حضر موت والّذين جاؤوا إلى شاطئ كاليكوت في نصف القرن السابع عشرة. وكان لها السمع والطاعة في الشؤون الدينية والسياسية والاجتماعية ، ولد شمس العلماء سنة 1333ه (1914م) بقرية "بلى فرمب" في أسرة نبيلة، وهو الإبن الأوّل للسيد محمد كويا وفاطمة بيوي، وتعلم في مدرسة "كاتركوي" في كاليكوت في عام 1922 ، وتعلم العلوم الدينية من بيته من أبيه الحنين. وله حفظ وذكاء وعقل أعجب الناس بكل كيان. على حسب مدرسته مدرسة إنجلىزية هو ماهر أيضا في اللغة الإنجلىزية, وأكثر من أصدقائه الكتب والقراءة، وصرف بصره إلى كل من الكتب الإنجليزية, وعجب أبوه منه بكل كيان, ففكر أبوه أن يلتفت هذا الطريق إلى طريق الدين وقال لابنه: " الآن , لا تذهب إلى مدرسة, وينبغي للأمة العالم العادل في هذا الزمان" و أطاع أباه, ثم أمضى سنة مكبا على التعليم الدينية في مدرسة " مدوور" في عام 30-1929ه, وأستاذه كنجي ماهن كويا مسليار, وعجب الأستاذ بذكائه وعقله, وتعلم في أواخر القرن التاسع عشرة وبداية القرن العشرين تحت أساتذة ماهرة نحو خطبى محمد مسليار, وأحمد كويا شالياتي, والشيخ عبد الرحيم, والشيخ آدم حضرت, ثم انتقل إلى كلية الباقيات الصالحات في عام1937, وعرفت الباقيات الصالحات هذا العالم الماهر, ودرس في الباقيات الصالحات برعاية اقتراح أساتذته في عام 48-1940ه, ودرس للعلماء المشهورة كعبد الرحمان الأزهري,و كي. سي عبد الله مولوي, وزين الدين كنجي مسليار, لما أصابه وسوري التحق إلى كيرالا في عام 1948, وكان من الأساتذة البارزة في جامعة الباقيات الصالحات, ثم كان رئيس جمعية العلماء لعموم كيرالا، في عام 1957 وعمل عميدا لعديد من الجامعات الإسلامية كما شغل منصب القاضي في محلات في عام1963, وأول حجه في عام1961, وبعده تم زيارة الإمارات العربية المتحدة في عام1969.

وبعد تعليمه قام بخدمات رائعة لتبنية الجامعة النورية في فيزاباد مع عبد الرحمان بافقي, وولى منصب العميد الجامعة النورية في عام1963, ومنذ عام 1979 حتى موته كان عميد جامعة دار السلام في نندي, وتكلل بالنجاح في جعل الكليتان ذات صلة ومشهورة أمام عوام الناس وخواصهم.

ما كان له وقت يستريح فيه بدون شغل ولو للحظة, يبدأ الأيام بصلاة التهجد ويمضي طوالها برامج دينية واجتماعية وثقافية متنوعة, وكان يهتم الرحلات بصدراته في المناسبات المختلفة كمجالس النكاح وصلوات الجنائز وحل المنازعات والمشاورات وافتتاح المؤسسات الثقاقية والعلمية والدينية والتجارية, هكذا كانت ثقة الناس التامة به, وكان السياسيون يشاورونه في حل القضايا الجوهرية على طاولة اهتمامته, وتنطفئ بكلمته نار الخلافات والصراعات, وهو صاحب الابتسام الخالص والقلب المفتوح المتحرر أمام الجميع وقراراته العادلة في القضايا المعقدة التى عجز السياسيون أمام حلها بشكل صحيح.

في الخاتمة

فكلما ذكرنا هذا الشخص الذي وصل درجته إلى العليا, نعتز بخدمته للوطن وبذله الثمن, حقا إنه عنوان مجد الزمان, ويقوم له الدهر بكل الوفاء والتبجيل, رجل أدى الحق على نهجه ومشى على دربه, وشخصية سار مع قلب الأمة توعية وضميرها تجديدا, ولقد اشتملت حياته على القيم والفعاليات البديعية, فما رأيناه منفردا بعيدا عن الناس بل التف حوله الآلاف, هذه هي الرسالة التى تلخصت هذه الحياة الجليلة والشخصية النبيلة جزاك الله يا سيد لقد أبهرت خيالنا, وطيبت أفكارنا..


بقلم نزل عبد الناصر 

طالب بمجمع دار الفلاح الإسلامي، تاليفرمبا.


إرسال تعليق

أحدث أقدم