أبو محمد الجولاني، الزعيم الذي تصدر مشهد الثورة السورية وأصبح رمزًا للمقاومة ضد نظام بشار الأسد. قائد هيئة تحرير الشام الذي غير مجرى الأحداث في سوريا، فمن يكون هذا الرجل؟ وما هي خططه ومشروعه لمستقبل البلاد؟
لأكثر من خمسين عامًا، كان حكم الأسد في سوريا سلطانًا، يمسك البلاد بيدٍ من حديدٍ وسجانًا، ولكن مع سقوط النظام، يسطع في الأفق اسمٌ ذو مقامٍ، هو أبو محمد الجولاني، القائد المقدام، وزعيم هيئة تحرير الشام، التي باتت اليوم رأس الثورة والخصام.
سقوط الأسد ونهاية الظلام
في شوارع دمشق وحلب، يهدم الثوار رموز الطغيان بلا تعب، تماثيل الأسد تُحطم، وصور حافظ تُقطع وتُعدم. يتقدم الثوار من معقل إلى حصن، والنظام في كل مكانٍ يضعف ويُهزم. أما بشار الأسد، فقد غادر البلاد، تاركًا خلفه حكومة بلا قيادة، فيما يُصرّ رئيس وزرائه محمد الجلالي على البقاء في أرضه، معلنًا استعداده للتعاون مع من يعاديه.
إدلب... عاصمة التحرير والسلام
في إدلب، حيث يرفرف لواء الحرية، أسّس الجولاني إدارةً جديدة، تدير شؤون المدينة والمناطق المحيطة، بالصحة والتعليم والقضاء، تحاول بناء وطنٍ بعيد عن البلاء. منذ 2017، كانت إدلب حرةً من قيد الطغاة، بفضل هيئة تحرير الشام التي جمعت الصفوف ووحدت الرايات.
من هو أبو محمد الجولاني؟
إنه أحمد حسين الشرع، ابن مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة، فكانت عائلته من اللاجئين الهاربين من المأساة. ولد عام 1982 في المنفى، حيث تجرع طعم الغربة والمعاناة. كان والده معارضًا للنظام، فسُجن واضطهد ثم هرب إلى العراق، وهناك أكمل أحمد تعليمه بين الدموع والأشواق.
في شبابه، أثرت فيه الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فزرعت فيه روح التحدي والإرادة. تساءل: "كيف أكون للمظلومين عونًا؟ وكيف أقف في وجه الظالمين زحفًا وهونًا؟".
من السجون إلى القيادة
في 2003، انطلق الجولاني إلى العراق، ليحارب الاحتلال الأمريكي بالسلاح والأعناق. انضم إلى تنظيم القاعدة، ولكنه سرعان ما واجه الأسر والقسوة الشديدة. قضى خمس سنواتٍ خلف القضبان، ثم خرج ليجد الثورة السورية على الأبواب، فانضم إلى النضال بشجاعةٍ وشهامة.
أسس جبهة النصرة، وبدأ يقاتل النظام، ولكنه سرعان ما انفصل عن داعش والتنظيم، مُعلنًا هدفه: تحرير سوريا من الطغاة، وإقامة دولةٍ بالعدل والكرامة والحريات.
الجولاني وسوريا القادمة
يقول الجولاني: "نحن لسنا إرهابيين ولا طغاة، بل ثوارٌ نسعى لإعادة الحق إلى مستحقيه، ونبني وطنًا للجميع، بميزان العدل والرؤية السديدة". يؤكد أنه سيحمي الأقليات، ويوحد الصفوف بين مختلف الفصائل والقبائل والأديان.
أما العالم، فقد صنّف هيئة تحرير الشام إرهابية، ووضعت أمريكا على رأس الجولاني مكافأةً مالية، ولكن الجولاني يصرّ: "هدفنا سوري، ولن نخضع لظلمٍ عالمي أو افتراءٍ سياسي".
سوريا على أعتاب التغيير
بين الثورة والتحرير، وبين الصراع والتدمير، تبقى سوريا اليوم معلقةً على ميزان القدر الكبير. فهل تكون قيادة الجولاني بدايةً لعصرٍ جديدٍ من النور والعبير؟ أم تستمر البلاد في دوامة الصراعات والدماء، بين الماضي الأليم والمستقبل الذي لا يُضاء؟
عبد الرزاق الحُسني