عصر أبي بكر الصديق: فترة الفتن والفتوحات


أبو بكر الصديق رضي الله عنه شريف من أشراف العرب ومن أصحاب المروءات المعدودين. صحابي جليل، صديق مثالي، وافر الثراء وكثير المال، عظيم الجاه وذو قدر رفيع. كان في الذروة من قومه، كسب محبة الناس بمعاملة رائعة، ونعمت حياته بهدوء وسكينة. أحب النبي صلى الله عليه وسلم أعمق الحب منذ الجاهلية، واصطحبا زمنا طويلاً لم يفارقه إلا قليلاً. يمكن أن نرى صديقين مثاليين فيهما يحتضن أحدهما احدا في زمن الشقاء والهموم. وكان أبو بكر من أوائل الذين دخلوا في الإسلام حين بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الله. ولم يمكث بعيدًا، فكذبه قومه فصدقه أبو بكر حتى سماه النبي صلى الله عليه وسلم "الصديق". وخذله اهله وأمسكه أبو بكر حتى تابع النبي في كل خطواته، ودافع عن النبي من كل أذى.

وكان العبيد الضعفاء يواجهون الظلم والاضطهاد من ساداتهم لإعتناقهم الإسلام ، فقام أبو بكر بحمايتهم واعتاقهم، وجعل يبذل أمواله لاعتاقهم. كان مجاهدًا في سبيل الدعوة، ولازم النبي، وبذل كل الجهد والكد في هذا السبيل. لا تزال تعجز صحف الكتاب والمؤلفين وأقلامهم عن شخصيته البارعة وحياته الطيبة ومسيرته المثالية. قصته يحلو تكرارها ويلذ تردادها، وتنفخ في صدر القارئ روح الإيمان من جديد، وتزيده قوة لأن إيمانه القوي وأخلاقه العظيمة ومعاملته الرائعة وصداقته الكبيرة كلها اقتبسها من نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم. تمرد وتدرب عليها في صحبة وظل حياته مع حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وملازمته له منذ الجاهلية حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، بحيث أصبح أبو بكر الصديق مثالًا في العبادة. 

 نرى وقائع كثيرة في التاريخ تدل على إنفاقه الواسع لابتغاء وجه الله.في يوم من الأيام، نادى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين وأمرهم أن يتصدقوا في سبيل الله، فبادر إلى ذهن عمر بن الخطاب أن يغلب أبا بكر في الصدقة تلك المرة. لأنهما متنافسين في العبادة، فمثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بنصف ماله ووضعه أمام النبي صلى الله عليه وسلم. فجاء أبو بكر رضي الله عنه ووضع كل ماله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأله رسول الله: "يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟" فقال أبو بكر: "أبقيت لهم الله ورسوله." فأحضر أبو بكر كل ماله وأخرجه في سبيل الله. هذه هي طبيعة أبي بكر التي تربى عليها مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح سابقًا في الخيرات وسارعا الجنات.

ازدحم الناس أمام بيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، فاجتمع الناس واحتشدوا في ساحة البيت. فنودي بذلك الخبر الحزين أمام المسلمين: "إنه صلى الله عليه وسلم لحق بالرفيق الأعلى." ولم يستطع الصحابة صبرًا على هذا الخبر. صعد أبو بكر المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم نادى في الناس: "من كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت." حتى هدأ حزنهم وسكنت كآبتهم.

ثم بايع عمر رضي الله عنه أبا بكر قبل تولد الفتنة لإنه كان يعرف ان ابا بكر هو الرجل الوحيد يستحق هذه الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعه المسلمون خليفة لهم. كانت خلافته مليئة بالفتن والثورات التي ارتفعت من مكامنها كالحية السامة.وكان أول ما فعله أن بعث جيش أسامة بن زيد لقتال الروم، في هذه الفترة، ظهر مانعوا الزكاة وارتدوا عن الإسلام، وقووا وإنتشروا. لكن أبا بكر استطاع القضاء على الفتنة في مهدها، فأرسل الجيوش لمواجهتهم حتى عادوا إلى الإسلام وخضعوا له. فاستشهد الكثير من حفاظ القرآن في حروب الردة، فقام أبو بكر بجمع القرآن الكريم بعدما كان مكتوبًا على أشياء متفرقة.

استطاع أبو بكر رضي الله عنه أن يقوم بتهدئة الثورات وإخماد الفتن، ثم بدأ بإرسال الجيوش لفتح البلاد. فُتحت في عهده بلاد الشام والعراق، . وفي أيام مرضه، أوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى فاضت روحه الطاهرة إلى الله سبحانه وتعالى.

يتميز عصر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالأنشطة العظيمة والأعمال الجلية والمساهمات الكبيرة للإسلام والمسلمين، حتى إننا لا نستطيع أن نجمعها أو نحصرها في ورقة أو ورقتين. هذه قطعة كتبتها لأحث القارئ على مراجعة الكتب التاريخية.


أرشد النجمي 

إرسال تعليق

أحدث أقدم