ومن الشؤون المدهشة التي لا نزال نشاهد في غضون أيام الحرب التي تمارسها القوى الإسرائيلية على غزة والمناطق الفلسطينية الأخرى،صمود الأطفال الفلسطينية وشجاعتهم أمام الاحتلال الغاشم رغم ما يواجهون ويعانون من الأهوال وحملات الإجلاء والتجويع من قبل الجيش الإسرائيلي المتغطرس.
رمضان محمود محمد أبو جزر من أولائك الأطفال الذين وقفوا في وجه الاحتلال بالهمة والبسالة.وهو طفل من غزة يبلغ عمره تسع سنوات،باستخدام مواهبه الفريدة وخطاباته التحفيزية ومواقفه الجريئة صار أيقونة في منصات التواصل الاجتماعي حيث يعتبر سفير الأطفال الفلسطينيين الذين لم يستسلموا أمام بنادق الاحتلال الغاصب الذي لا تزال توجه فوهتها تجاه الشعب الفلسطيني،ولد رمضان خلال أيام الحرب في غزة عام ٢٠١٤م، حيث هدمت داره في ذلك اليوم بالقصف الصهيوني.في تلك الحرب الهالكة أصيب أبوه واستشهد عمه ' رمضان' الذي كان 'حافظ القرآن ومدرسا في مدرسة بغزة.فسماه أبوه ب'رمضان تذكارا لعمه المرحوم.
وكانت حياته مليئة بالكوارث والمصائب،ولكنه تجاوز كل العقبات الصعبة بالهمة والمثابرة.وقد ظهرت منه مهارات مختلفة ومتنوعة لم تشاهد في قرائنه.وقام والده المبدع بتطوير مهاراته الرائعة من خلال الممارسات والتدريبات المتواصلة.وقام بخطبته الأولى أمام المؤمنين في المسجد الذي في قريته في الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان وهو في الثانية والنصف من عمره.ومن ثم تم تداول مقطع الفيديو المشهور له في الوسائل التواصل الاجتماعية،كان هذه الخطبة تقليدا لخطبة"لا تقلق الله موجود" لسماحة الشيخ راتب النابلسي.
وقد اشتهرت المقاطع الفيديو الخاصة له في مواضيع تدور محورها حول الدعوة الإسلامية حيث ترشد إلى المنهج القويم بأسلوب حكيم يتمتع بالجزالة والرشاقة،لقد ظهر إبداعه ومهارته منذ نعومة أظفاره،لقد حفظ عشرة أجزاء من القرآن الكريم.وحفظ الكتاب الأربعين للنووي رحمه الله،وقرأ مجموعات من التواريخ والقصص والأشعار في غضون أمد وجيز حيث يفوق على أقرانه وأترابه، بداية دراسته كانت حول السيرة النبوية ومكارم أخلاق الرسول(ص).ومن هواياته المفضلة الاستماع للقرآن الكريم حيث كان يدرس القرآن دائما ويناقش عنه عبر خطاباته، وقناته جعبة عبر وكنانة عظات.وسجل في الوسائل الاجتماعية مائات من الفيديو بكرم وفضل من الله سبحانه وتعالى حيث نالت رواجا واسعا في منصات التواصل والأوساط العربية. لأبيه وأمه يد طولى وكعب عال في إشرافه وارتفاعه.وهما شجعاه باكتشاف مهاراته وترويجها منذ نعومة أظفاره.حتى صار شخصية نابضة بالإبداع والابتكار.
ومن الجدير بالذكر أنه حينما تم دعوته إلى البرنامج 'سواعد الإخاء' المنعقد في كويت ليتم تكريمه بوسام 'سفير الحب'،لم يستطع للحضور فيه بسبب الأوضاع الحربية في فلسطين،ولكن البرنامج عرض فيديو مسجلة للطفل رمضان وهو يقوم بالكلمات أمام كومة الركام للمباني التي هدمها الاحتلال الغاشم،مذكرا الجماهير أهمية تلك المكان المكرمة حيث يقول: "هذه الأرض هي أرض مقدسة.قد ورد في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عن العسقلان.هذه الأرض العريقة المقدسة تحت الاستعمار،...أنا أتكلم الآن من الغزة العزة،.... يا غزة أنت أذلت رئساء الصهيونية...يا غزة أنت حاربت الصهيونية من الصفر.هي مدرسة الأبطال تدرس فيها الأطفال العقلاء الشجعان.هي تعطي للدين العظماء الشجعان. غزة تعيش فيها شهداء عديدة ليس لهم أرواح ولكن هم يطيرون في جو غزة. تقدم للدين مجاهدين مع ما يواجهون صعوبات وكوارث"على أي حال أفعم رمضان قلوبهم بالمحبة والمودة.
ويأكد في خطبته عن الاعتصام والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونهجه.ويكرر في كلماته أن تدرسوا وتعلموا سيرة غزة وأحوال غزة ولا تلتفتوا عنها أبدا بكون قضية غزة قضية الأمة وقضية القبلة الأولى ويأكد في كلماته أحوال غزة ولحظاتها.
وعندما سمع العلماء كلامه المفعمة فيه حب الوطن ووجع قوم يرزح تحت وطأة الاحتلال فاضت عيونهم وانهمرت دموعهم."منع الإسرائيليون لغزة الاستقلال،ولو كان بإمكانهم أن يمنعوا الهواء لمنعوه، يبكي أطفال غزة بينما يلعب ويتمتع الأطفال الآخرون في أنحاء العالم .صارت فراق الأقرباء عادة". أبكى رمضان العلماء وهم يجلسون أمام الشاشة وهو كان يريد أن يقبلوهم فردا فردا، ولكن كان قضاء الله أن يقابلهم عن بعد.وهو يشير في كلماته العجيبة آية في القرآن "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"
تشير كلماته هذه عن إيمانه بالله تعالى،وهو ينصح ختاما أن تتعلموا وتعلموا تاريخ فلسطين.وأخيرا يتمنى أن يقبل هذه التهنئة والوسام عند أبواب القدس وينتظر ذلك اليوم.
مقداد.كي
باحث جامعة كيرالا،تروفانانتفرم