حضارة ليس لها مثيل


إن أنبل حضارة  عرفها التاريخ البشري هي حضارتنا الإسلامية. إنها تنفرد بين كل الحضارات ببديع شأنها ونظمها وقوانينها. كيف لا؟ إنها نشأت وتفتحت براعمها في كنف القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن ثم ترعرعت وازدهرت حتى حكمت العالم ثلاثة عشر  قرنا وعمت أرجاء الأرض شهرة وصيتا

لقد كانت الحضارة الإسلامية من أرقى وأرفع الحضارات التي وجدت على وجه الأرض. ليس هذا من المبالغة ولا ضربا من التفاخر الكاذب بل إنها حقيقة عارية  كضوء الشمس في رابعة النهار. لقد حقّقت الحضارة الإسلامية آثارا خالدا ودورا بارزا في تاريخ التقدم الإنسانية ولقد قدم المسلمون للإنسانية ما لا ينكره عاقل لبيب. فتركوا في كلّ المجال والفنون بصمةً لم يزل أثرها باقيا إلى يومنا هذا. فإذا أمعننا أنظارنا إلى صحفة التاريخ سنجد عديدا من الأعلام اللماعة التي يفتخر بهم تاريخ الحضارة الإسلامية كأبي بكر الرازي الذي يعتبر من علماء العصر الذهبي للعلوم وأبي بكر الزهراوي الذي يعدّ من أعظم الجراحين في التاريخ وأبي الرحمن البيروني الذي كان من أشهر علماء شاهده العالم في علم الفيزياء والإدريسي الذي رسم خريطة أدق وأوسع لأول مرّة. فأما الافتراء بأن الإسلام لم يتمكن لكي يؤسس حضارة خالدة باطل مردود بل هو محض خرافة. أما من له أدنى تعلق بالتاريخ البشري يفهم أن المسلمين ساهموا في مجال الثقافة والاجتماع والعلم والعرفان حتى انتشروا في أرجاء الأرض بفياض المعارف وتيارها. ومن الحقيقة التي لا تنكر أن دار الحكمة والمدرسة النظامية كانت مضرب المثل حتى تألقت العالم بروحها ونورها ولكن إذا تروينا في الحضارة الغربية سنجد أنها كانت محض خرافة لم تتمكن أن تعرف موردا علميا سوى مؤلفات العرب. فمن نافلة القول أن الحضارة الإسلامية كانت من أدخلت الأمم الأوربية الوحشية إلى عالم الإنسانية 

ما أجمل هذه الحضارة التي أسس على الأمن والسلام. من أبرز ميزاتها عقيدة التوحيد الخالص والقيم الإنسانية النيرة حتى فتحت على قلوب الناس بمبادئها الإنصاف وحسن التعامل. فلذلك كانت الحضارة الإسلامية في إبانها ملء السمع والبصر والفؤاد حيث تكاد تميز عن كل الحضارات السابقة واللاحقة. فمن الجدير بالذكر المدنية الإسلامية الراسخة التي يزدان بها التاريخ. ما أحسن ذلك الأيام في بغداد والأندلس وأصفهان حيث كانت الحضارة الإسلامية مثلا ظاهرا وقدوة بارزة في استبحار العمران وتطاول البنيان وانتشار العلم والعرفان وكانت كوفة والبصرة ودمشق والقاهرة وسامرا مضرب المثال في استبحار الحضارة وتناهي الثروة حيث بلغت ما لم تبلغه حضارة  قبلها ولا بعدها إلى عصرنا هذا*

من الازدهار إلى التدهور

كنا مجرّد رعاة الأغنام في شبه الجزيرة العربية فجاء إلينا الإسلام بالوحي الإلهي السماوي وعزّزنا وعلمّنا وثقّفنا ونبذ فينا بذور الإيمان والتكلان على الله القويّ الرحمن. فبهذه القوّة الإيمانية فقط ترعرعنا من رعاة الأغنام إلى قوّاد العالم. فمن ثم امتلكنا أثرى الأراضي وأروع البقاع ونصبنا فيها راية الإسلام حتى فتحنا العالم بأسره بمحض نصف قرن. ولكن الأسف كل الأسف كل هذه ذكريات مكسّرة أطرافها وممزّقة غلافها. لمّا تركنا الدين والإيمان الذي مازال ثابتا في صميم قلوبنا كادت حضارتنا تضعف وتدهور

الحضارة  الإسلامية قضية لا تقبل المماحكة ولا يمكن للتاريخ العالمي أن ينسى دور المسلمين ومساهمتهم البارزة وسلوكهم الظاهرة مهما تعاقبت الدهور والأيام.


محمد شهير

 مجمع نور الهدى الإسلامي

إرسال تعليق

أحدث أقدم