اللغة العربية وتطورها في الهند


تحتل اللغة العربية مكانة كبيية في البلاد غير العربية، وخاصة بين الشعوب الإسلامية غير العربية، لذلك افتتحت مدارس في شتى أنحاء العالم لدراسة هذه اللغة العظيمة، وكتب بها كثير من المسلمين، غير العرب، فأثروا اللغة العربية مؤلفاتهم المختلفة. كما اتخذ بعضهم العربية لغة أولى له، حتى إنهم يتحدثون بها في بيوتهم ومنتدياتهم. والهند دولة من تلك الدول الكثيرة التي اعتمدت تدريس العربية في المدارس والكليات والجامعات المختلفة، فهناك عشرات المراكز التي تعلم اللغة العربية، من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وصولا إلى الجامعية، حيث يوجد عشرات الجامعات التي تضم أقسام للغة العربية وآدابها، وتقوم بعض تلك الجامعات بمنح درجات الماجستير والدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، سواء في الجامعات الحكومية أو الأهلية. 

عند استعراض صلة اللغة العبية ببلاد الهند، سنجد أنها قديمة جدا تصل إلى العصر الجاهلي، فقد كانت الصلات التجارية بين العرب والهنود قائمة منذ ذلك العهد، لكتها تطورت بعد أن امتدت سيطرة العرب المسلمين إلى هذه البلاد بعد دخول القائد محمد بن القاسم الثقفي إليها، وفتحه بلاد السند (باكستان حاليا) سنة 92ه‍/ 711م، ثم على يد المسلمين من الغزنويين والغوريين والسلاطين والتغلقيين والمغول من بعده. 
عندما دخل محمد بن القاسم بلاد السند اصطحب معه بعض علماء الدين الذين أسهموا في اعتناق الكثير من الهنود الإسلام، ولما كان عليهم أن يقرأوا القرآن الكريم والحديث الشريف ويؤدوا عباداتهم باللغة العربية، وجب عليهم تعلم اللغة العرية لفهم تلك السور 
والأحاديث.

 وقد قام علماء العرب المسلمون بدور كبير في تعليمهم، وتمكن بعض الهنود من إتقان اللغة العبية إتقانا كبيرا، فأحذوا يؤلفون بما ويعلمون غيرهم، كما أدخل المسلمون الهنود أولادهم عند ملالي العرب لتعلم اللغة العربية، حيث كان التعليم في المساجد. 
الإسلام في الهند 

بدأ الانتشار الإسلامي في الهند بدخول محمود الغزنوي شمال الهند، ثم دلهي، وكان ذلك سنة 388 ه‍/ 998م، واتخذ من لاهور عاصمة له. وفي هذه الفترة رحل العالم العربي البيرون إلى الهند، حيث مكث نحو عقدين من الزمان
 جمع خلالهما كثيرا من المعلومات، ضمنها في كتابه حول الهند. وقد كان السلطان محمود محبا للعلم والعلماء، فأسس المساجد والمدارس، التي أقبل عليها طلاب العلم للتزود بالمعرفة، وخاصة من دخل الإسلام منهم. 
 خلف السلطان مسعود أباه في رئاسة الدولة الغزنوية، وكان كأبيه محبا للعلم، فاستقطبا مجموعة من العلماء، منهم البيرون والفردوسى والدقيقي، وأحمد بن الحسين البيهقي، صاح السنن، أيضا. 

وكان كاتب السلطان محمود الشاعر أبوالفتح البستي، وكانت اللغة العربية لغة رسمية في الكتابة، وكان يؤم بلاط الغزنويين الكثير من الشعراء والأدباء والعلماء. وكذلك اتخذ السلطان محمد تغلق شاه من دلهي عاصمة له، واستدعى بعض العلماء والشعراء إلى بلاطه.
 
العصر البريطاني 

رأت حكومة الهند البريطانية أن الوضع قد يخرج عن سيطرتها مع وجود الدين الإسلامى المتغلغل في النفوس، فقامت بحركة كبيرة للتنصير، وبناء الكنائس والمدارس التبشيرية، والمراكز الصحية لجذب المسلمين. وهذا الأمر أثار غيرة العلماء المسلمين وخوفهم على ضياع الإسلام من هذه البلاد، لذا اجتمع مجموعة من العلماء الهنود برئاسة الشيخ محمد قاسم النانوتوي، وبمشاركة الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، والشيخ محمد يعقوب النانوتوي، والشيخ محمود الحسن الديوبندي، والمفتي عزيز الرحمن، والشيخ حسين أحمد المدني، وقاموا بتأسيس جامعة دار العلوم سنة t186م، في مدينة ديوبند، كان هدفها الحفاظ على مكتسبات الإسلام، والتراث الإسلامي، وتعليم اللغة العربية لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، مما دفع السيد أحمد خان لتأسيس كلية لتدريس العلوم الحديثة للمسلمين في عليكره سنة 1893م، التي أصبحت جامعة عليكره الإسلامية سنة 1920م. وقد وظف السيد أحمد كل ما يملك لتعليم المسلمين العلوم الحديثة، وزار بريطانيا ليعرف أسس بناء الجامعات الحديثة، وكللت جهوده بالنجاح في إنشاء تلك الجامعة. 
- دب خلاف كبير بين دار العلوم في ديوبند وكلية العلوم في عليكره، وهذا الأمر أساء لبعض العلماء المهتمين بالتعليم، وخاصة تعليم اللغة العربية، فاجتمع مجموعة من العلماء بمدرسة فيض علم بكانفور، وقرروا إنشاء جمعية إسلامية باسم ندوة العلماء، ومن تم إنشاء جامعة ندوة العلماء في لكناو سنة 1893م، أخذت على عاتقها تدريس العلوم الإسلامية واللغة العربية، والعلوم الحديثة. 
- - استطاعت جامعة ندوة العلماء استقطاب بعض علماء المسلمين من الأزهر الشريف والبلاد العربية، وكان تدريس اللغة العربية شرطا أساسيا في التعليم بهذه الجامعة، وكان أبو الحسن الندوي من أبرز علماء ندوة العلماء، وهو الذي أسس لدروس الأدب العربي في هذه 
الجامعة، وألف كثيا من الكتب باللغة العربية

 أقسام «العربية» في الجامعات الهندية
 
لا أبالغ إذا قلت إن أقسام اللغة العربية بالجامعات الهندية تفوق ال 100 جامعة، يقبل عليها الطلاب الهنود لتعلم «العربية»، المسلمون منهم بغرض إتقان اللغة العربية لقراءة القرآن الكريم، أو من غير المسلمين ممن يطمحون إلى العمل في البلاد العربية، والتي قد يشترط بعضها معرفة اللغة العربية للعمل فيها، وخاصة في منطقة الخليج العري. وقد أدى تدريس اللغة العربية وآدابها في هذه الجامعات إلى التوسع في منح الدرجات العلمية، البكالوريوس، والماجستير والدكتوراه، ومعظم الأساتذة في تلك الأقسام من الهنود، ممن تخرجوا في الجامعات الحكومية والأهلية. 
ويرأس هذه الأقسام العلمية أساتذة مشهود لهم بالكفاءة والمقدرة، ففي ندوة العلماء يوجد أبو الحسن الندوي، وله كتب عربية تزيد على مئة وسبعين كتابا، بين صغير الحجم والكبير. وفي جامعة عليكره هناك العالم البحاثة د. عبدالعزيز الميمني الراجكوي، نابغة عصره، الذي ألف الكتب وحقق العديد من المخطوطات، ونذكر منها: الطرائف الأدبية، وسمط اللآلي في شرح أمالي القالي، لأي عبيد البكري. وكان عمله مدعاة لتعجب علماء العرب لصحته ودقة استخراجه من بطون الكتب. وقد جمعت مقالاته وبجوثه في اللغة والأدب بعد وفاته في مجلدين تحت عنوان «بحوث وتحقيقات» قام عليها محمد اليعلاوي، ونشرته دار الغرب الإسلامي في بيروت. وأصدرت مجلة المجمع العلمي الهندي عددا ممتارا عنه، لما له من مكانة عند العلماء. 

مراكز ثقافية

 ضمن اهتمام الهنود باللغة العربية أسسوا مراكز تضم مئات المخطوطات العربية بلغت 27 مركزا، بين جامعة ومتحف ومكتبة. وكانت المخطوطات محط دراسة للهنود. وقد بدأ بعض المستشرقين البريطانيين بالعمل في الجمعية الآسيوية في كلكته، وجامعة ندوة العلماء، ودائرة المعارف العثمانية، وهى أوسع المراكز التي احتضنت المخطوطات العربية، وقامت بتحقيقها. وقد انخرط في هذا العمل المستشرق البريطان كرنكو، الذي أعلن إسلامه وغير اسمه إلى سالم الكرنكوي، وتتلمذ على يديه عشرات الهنود، وقد طبعت دائرة المعارف العثمانية مئات الكتب العربية التراثية. 
 وكانت دار العلوم في ديوبند أول جامعة تؤسس بعد انهيار الثورة الهندية سنة 1866م، والدراسة بما باللغة العربية، وتبدأ من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة، وتستغرق الدراسة فيها طول السنة ما عدا شهر رمضان والعيد، لذا فإن عطلتها 40 يوما فقط في السنة. 
 أما أكبر جامعة اهتمت باللغة العربية فهي جامعة ندوة العلماء، وتناولت فروع اللغة والبلاغة العربية وتاريخ العرب الأدي والنقد العربي، وكان رئيس الجامعة يختبر الطلاب بنفسه في النطق العربي، لذا فإن كل من تخرج في ندوة العلماء لغته سليمه ونطقه صحيح، وهذا الأمر أثار حماسة بعض العلماء، فأسسوا المعاهد والجامعات على ذلك المنوال، منهم أستاذ العربية بالجامعة الإنجليزية واللغات الأجنبية، البروفيسور سيد جهانغير، الذي أسس معهدا لتدريس اللغة العربية الفصحى، واختار أساتذة من العرب الموجودين في حيدرآباد لتدريس الطلاب اللغة العربية والنطق السليم للحروف العربية، وقد زار الكويت عدة مرات، واشترى مصنفات عربية وقصصا ناطقة بلغة الضاد، مثل قصص الأنبياء، واقتنى أفلاما عربية ناطقة باللغة الفصحى، فأثرى النطق العربي، ودفع تلاميذه لحفظ مئات النصوص العربية، وكان إذا تحدث أحد الطلاب باللغة العربية فإنك قد لا تشعر بلكنته الأجنبية، بل كأنك تتحدث مع أحد العرب.
 
 اهتمام كبير
 
 حظيت اللغة العربية باهتمام كبير في العصر الحاضر لمكانتها العالمية، وتحتفل معظم الجامعات الهندية، التي تعلم العربية، باليوم العالمي للغة العربية، بصورة كبيرة لا نجدها في معظم الجامعات العربية، فيقيم الهنود ندوات ومحاضرات، 
 وتوزع الهدايا على المتفوقين، وترصد سنويا جائزتان لمن خدم اللغة العربية من الأساتذة، تصرفان في أغسطس من كل عام، (شهر الاستقلال)، وتستمر الجائزة مع مستحقها طوال حياته، ولا تنقطع إلا بعد وفاته. 

 وهناك مناطق في بعض المدن الهندية يتحدث كثير من سكانها باللغة العربية ليقرأوا القرآن الكريم بلغته، فإذا كان من يتقن العربية أستاذا في معهد أو جامعة يكون الحديث داخل ذلك المعهد باللغة العربية، ويقوم بحث طلبته على الحديث باللغة العربية طوال وجوده في المعهد، من ذلك جامعة الحرمين الشريفين، حيث إن التحدث بين الطلاب والأساتذة لا يكون إلا باللغة العربية الفصحي، ولا يسمح للطلاب بالتحدث بلغتهم الأم، وإلا تعرضوا للغرامة. 
 عندما كانت الصداقة تجمع بين الزعيمين الراحلين؛ الرئيس المصري جمال عبدالناصر، ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، كانت الكتب العربية تتدفق على الهند من القاهرة، لكن بعد وفاة الرجلين انقطعت تلك المساعدات. ويتلقى علماء الهند بعض المساعدات من دول الخليج، لكنها لا تصل إلى طموح علماء «العربية» في الهند، فهي قليلة. إن أكثر ما تحتاج إليه مراكز تعليم اللغة العربية في الهند الأساتذة العرب لتدريس بعض المواد باللغة العربية، ويعتب القائمون على تلك المأكز على الدول العربية، ودول الخليج العري بالذات، لقربها من الهند، وللصلات التجارية القوية بينها، فإذا كتب أحد تلاميذهم بحثا للماجستير، أو الدكتوراه لا يجدون الأستاذ العربي الذي يقوم بفحص المادة وإصلاح الخلل فيها! 

 لذا يأمل المسلمون الهنود بتعلم اللغة العربية لفهم القرآن وقراءته بلغته، وكذلك الحديث الشريف، لذا نراهم يقبلون بشغف على تعلم «العربية، لكن الإمكانات قليلة، والماساعدات ضئيلة، والدول العربية بعيدة عن نشر لغتها بين دول العالم، ومن يتعلم «العربية» في الهند تأي بعهود شخصية ذاتية. ويبقى السؤال: أين دول الخليج من 
مساعدة الهنود في تعلم اللغة العربية؟!
 
 المصادر والمراجع

 اللغة العربية في الهند عبر العصور. خورشيد اقبال 
د. عبد المنعم الدهمر: تاريخ الإسلام في الهند الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة مصر الطبعة الأولى ()1999م د .جميل أحمد: حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشمالي الهندي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر جامعة الدراسات الإسلامية كراتشي- باكستان.
د. سيد رضوان علي الندوي: اللغة العربية وآدابها في شبه القارة الهندية الباكستانية عبر القرون منشورات جامعة كراتشي باكستان الطبعة الأولى 1995م
د. محمود محمد عبد الله: اللغة العربية في باكستان دراسة وتاريخا، من منشورات وزارة التعليم الفيدرالية إسلام آباد- باكستان الطبعة الأولى 1976 م
⚫د. زبيد أحمد: مساهة الهند وباكستان في الآداب العربية ، ترجمة أردية لشاهد حسين رزاقي، إدارة ثقافة إسلامية ، كاب رود لاهور باكستان. 
⚫د .أحمد معوض: باكستان المعاصرة الدار العربية لنشر الثقافة العالمية القاهرة سنة 1976 م
⚫نكلسن، ترجمة د .صفاء خلوصي، تاريخ العرب الأدبي في 
الجاهلية وصدر الإسلام، مطبعة المعارف بغداد عراق ، t1969.

محمد شهير ك
باحث جامعة سري سنكراجاريا السانسكرتية بكالدي  

إرسال تعليق

أحدث أقدم