قصيدة البردة ودورها في إثراء المديح النبوي

 ومما لا يختلف فيه اثنان أن قصيدة البردة أحد أشهر القصائد التي تم تأليفها في المديح النبوي حيث نظمها  الإمام البوصوري ممتزجا بالعشق والحب للنبي(ص).وهي من أروع القصائد في المدائح النبوية حيث لاقت انتشارا كبيرا ورواجا واسعا في العالم حتى نقشت في عقول وأفئدة الكثير من الناس وما زال يتم إنشادها في المجالس الدينية  على الصعيد العالمي.ويشرف المسلمون إنشاد قصيدة البردة في المناسبات بعقد المجالس الخاصة خاصة في مناسبة شهر مولد النبي(ص) ويستهدفون من خلالها التقرب إلى الله تعالى عبر حب النبي، تصديقا لقوله (ص) إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.وبها شفيت الأمراض وسكنت الآلام وحصلت المقاصد وملأت القلوب بالحب النبوي . 

الإمام البوصوري 

صاحب هذه القصيدة العجيبة في المديح النبوي الإمام أبو عبد الله شرف الدين محمد بن سعيد البوصوري المعروف بالإمام البوصيري،ولد سنة 608 ه‍ في دلس من مصر ،تلقى العل الدينية من كبار علماء ذلك العصر مثل أبو حيان،أكمل دراسته العليا  من جامعة الأزهر،حفظ القرآن الكريم في طفولته. وكان راغباً في تصنيف القصيدة في مدح النبي (صلى) منذ طفولته،ولما شب كان شاعرا في القصر. وكان معروفا بين الناس شاعرا بليغا وعربيا فصيحا وصوفيا خالصا إلى الله، توفي رحمه الله سنة 695 ه‍ ودفن في الإسكندرية عند معلمه أبي العباسي المرس،وله تصنيفات كثيرة ذاعت صيتها في العالم في مدح النبي (صلى) دون قصيدة البردة مثل القصيدة المحمدية وقصيدة اللام وقصيدة الباء وقصيدة المضري وغيرها


قصيدة البردة

إن مما لا يخفى علينا أن قصيدة البردة هي من أشهر وأروع القصائد في المدح النبوي،تم تأليفها بقافية الميم وهي تضم مائة وستين سطرا،يسمى بكواكب الدرية في مدح خير البرية واشتهرت في العالم باسم قصيدة البردة أو برء الداء. إن الإمام البصوري،وعندما كان شاعرا في القصر  لقي الإمام ذات يوم عالما يسأله هل رأيت النبي (صلى) في منامك في هذه الليلة،والحقيقة أنه لم ير الشاعر النبي (صلى) في المنام قط، لكن هذا السؤال كان نقطة تحول في حياته حتى مال قلبه بالحب والمودة إلى رسول الله (صلى)،وأمضى حياته في الحب إلى رسول الله (صلى)وصنف قصائد ينبثق منها الحب الشغف إلى رسول الله (صلى) مثل قصيدة الهمزية وقصيدة المضري.يقول الإمام البصوري عن سبب كتابته لهذه القصيدة ، كنت في المرض الذي لا ينفعني علاج ولا دواء فأردت أن أكتب قصيدة  في مدح النبي صلى الله عليه وسلم فعملت في تصنيف القصيدة وتممت القصيدة وسميتها بكواكب الدرية في مدح خير البرية،غمر في إنشادها وقررت إنشادها ودعوت إلى الله وتوسلت بالنبي (صلى) أن يشفي مرضي بها ونمت فرأيت النبي يمسح وجهي وطرف مرضي بيده المبارك وألقى بردته علي وأنا استيقظت من النوم شفى مرضي  وبذلك سميت بالبردة وكذلك لها اسم ببرء الداء. 

إن الشاعر نسج أخلاق النبي (صلى) وصفاته وأسلوب دعوته وحروبه وطرف عجيب من القرآن ومعجزاته وأفعاله وأسلوبه طوال قصيدة البردة بسلك ذهبي، إنه بدأ القصيدة  كما يقوم الشعراء الجاهلية مخاطبا العاشقة،وقام بتصنيفه في أسلوب رائع في بحر البسيط،وفصل القصيدة بعشر فصول،ورتب الفصل الأول في الغزل وشكوى الغرام،الفصل الثاني في التحذير من هوى النفس،ونظم الفصل الثالث في مدح سيد المرسلين والفصل الرابع في مدح مولــده.الفصل الخامس في معجزاته.الفصل السادس في شـرف القرآن ومدحه،وألف الفصل السابع في إسرائه ومعراجه،الفصل الثامن في جهاد النبي.الفصل التاسع في التوسل بالنبي.الفصل العاشر في المناجاة وعرض الحاجات.يستهل الشاعر الإمام القصيدة في شكوى الغرام والغزل على منزل المحبوبة وإنه يشكو من آلامه،يعبر فيه عن نار شوقه إلى الأراضي المقدسة التي يحنّ إليها قلب كلّ مسلم، وهنا يتسائل الشاعر عن سبب البكاء والدموع المنهمرة، هل هو من تذكر الأحبة وأماكنهم واشتياقه إليهم، أم أنّ الريح الذي جاءت من ناحيتهم تحمل بعضًا من شذاهم، ويقوم الشاعر بوصف حبه وغرامه الذي لا يستطيع إخفاءه عن أعين اللائمين، فمهما حاول إخفاءه فعلامات المحبة تكشفه، والتي تتمثل بهيمان الدمع، واضطراب القلب، وإراقة الدمع على الأطلال، وعدم النومكل ما قام بذكره الشاعر في المقدمة يدل بشكل كبير على مدى حبه لرسول الله (ص).كما عبر خلال الأبيات أنه يريد الذهاب لزيارة الرسول (ص) وأنه مشتاقًا جدًا.يمتد هذا المقطع من البيت الثالث عشر إلى البيت الثامن والعشرين، صوّر فيه الشاعر الحالة الإنسانية وحذّر من هوى النفس ويتحدث عن فساد نفسه وانصرافها عن دعوة الحق، وتقصيرها في أداء الواجب،فيسأل هل من مُعين يكبح جماح نفسه ويلجمها كما تُلجم الخيل.ويُشير الشاعر إلى أنّ النجاة  تكون بمخالفة النفس وعدم الاستجابة لإغراء الشيطان مهما، لأنهما عدوان للإنسان في هذه الحياة؛ فالنفس أمارة بالسوء والشيطان عدو مبين.ويناقش في الفصل الثالث في مدح رسول الله (صلى) حيث يقول عن شمائله وزهده وصفاته وإنه يصفه بأبلغ الأوصاف، بأنه سيد الكونين والثقلين وحبيب إلى الله والمصطفى المختار.ويتحدث الشاعر في الفصل الرابع عن مدح مولده ويبحث عن الوقائع العجيبة حدثت وقت مولد النبي (صلى).ويتحدث الشاعر في الفصل الخامس عن معجزات النبي (صلى) منها سجود الشجرة بعد أن مشت إليه عند مناداته، وانشقاق القمر وتظليل الغمام له ونسج العنكبوت وحماية الحمام في الغار. ويتحدث الشاعر في الفصل السادس عن شرف القرآن ومدحه وفي الفصل السابع عن إسراء النبي (صلى) ومعراجه،وفي الفصل الثامن يناقش الشاعر عن الغزوات التي شارك النبي  (صلى) فيها.وفي الفصلين التاسع والعاشر يقوم بمناجاة النبي (صلى) والتوسل به لشفاء الداء الذي أصيب به والذي دفعه إلى تأليف هذه القصيدة الرائعة. 


يقول الشاعر عن خلق النبي (ص) في أروع أسلوب  

أكرم بخلق نبي زانه خلق 

   بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بالبِشْرِ مُتَّسِمِ


وهذا يصدق قول الله "وإنك لعلى خلق عظيم'  هذه الآية ثناء الله تعالى على سيدنا محمد (صلى) حيث اتصف بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات،وكيف لا، كان خلقه كالقرآن،وقد جمع كل فضيلة وحاز كل خصلة جميلة ومن ذلك شرف النسب وكثرة العلم والسخاء والصدق والصبر والحمد والشجاعة  وصحة الفهم وكل ما لا حد له من مكارم الأخلاقوبالجملة أن ما يعبر الشاعر في هذه القصيدة عن المديح النبوي وعشقه العظيم للنبي شيئ فوق التعبير،

مشهود الحسني

 باحث في الجامع الأزهر

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم