الرواية الإسلامية في القرن الواحد والعشرين: تراث ومتعة


إن الأدب أداة ووسيلة قوية للتعبير عمّا في نفس المتلقي منا المشاعر والأفكار،  فهي مرجعيّة الأمة وثقافتها، ووعاءها الفكري والمعرفي الأصيل، وإن الرواية مرآة المجتمع وعنوانها، فهي فن أدبي نثري ممتع، وهي أكبر أنواع القصص من حيث طولها وطول البيئة الزمانية طويلا ممتدا، وهي أداة من الأدوات الفعّالة في التعبير عن المواقف والقضايا والأفكار والأيدلوجيات المعاصرة التي يصطدم بها الواقع اليوم، فليس الفن وسيلة للتمتع والتسلية الذهنية فحسب، بل هو أداة تقديم الفكرة والتصور والغاية التي يقوم بها المذهب، وإن الرواية أكثر هذه الفنون تأثيرا ونفوذا، لما أنها تعالج قضايا الأمة ومشكلاتها وآلامها، وتُري القارئ فكرة الرواية مجسمة ومشخّصة من خلال الأحداث والمواقف إذ يؤثّر صداها عميقا وفعّالا، بينما أنّها لو تستمد من نبع خالص صاف وتستقي مواضيعها من الدين الإسلامي وتسعى لمعالجة القضايا الّتي تشعل المسلم فعندئذ نعبرها بالرواية الإسلامية، نعم، هي أقوى فنون الأدب الإسلامي الّذي يحظى بالدراسات والاهتمامات والإنتاجات المزيدة يوما بعد يوم، فإنّها فن هادف تتصل بالحياة والمجتمع اتّصالا وثيقا، وتقوم بحلول قضايا الأمة ونشر القيم الفاضلة في المجتمع، وهي تحتل اليوم مكانة متميّزة بين أروقة التوجهات الأدبية الحديثة، إذ بدأ هذا التيار الجاري من الروايات الإسلامية لنجيب كيلاني - رائد الرواية الإسلامية على صعيد الوطن العربي والإسلامي-، و ما زال الروائيون الإسلاميون يفيضون بعده في القرن الواحد والعشرين إنتاجاتهم اللامثيلة المختلفة في خضم المزالق والمعوقات الّتي تعتري سبيلها.  

الرواية الإسلامية

هي نوع من الرواية الّتي تستمد وشخصياتها وأحداثها من المصادر الإسلامية متمثّلة بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وسير الصحابة والتابعين، وهي الّتي تزخر بالرؤى والتصورات الإسلامية جامعة بين جودة الطرح وجمال الشكل، وإنها بمجرد جملة تحمل فكرة متميّزة هادفة بالثقافة الراقية ينفذ بها الكاتب إلى أغوار مشاعر القارئ لما أنها تعكس تجارب الإنسان وقضاياه بالمتعة من جهة والمنفعة من جهة أخرى.اختلف الدارسون في جذور تاريخ الرواية وتطوّرها، فالبعض ينسب إلى الروايات اليونانية أوالإغريقية بينما يدعي البعض بأن جذورها التاريخية تنحدر من البلاد الشرقية، والأصل أن تاريخ الرواية الحديثة يرجع إلى فرنسا في القرن الثاني عشر كفن أدبي مستقل ثم تطوّر إلى القرن السابع عشر بالرواية الرومانسية أو الخيالية التي كانت سائدة على العالم الأدبي عبر العصور، أما إنّها حملت على عاتقها مواضيع شتى اجتماعية وسياسية وثقافية في القرنين الأخيرين بداية من النهضة الأوروبية ما أدّى إلى تأثير كبير على العالم الأدبي، وإن الرواية العربية المعاصرة متأثرة بالروايات الغربية على حد كبير بيد أن ألوانا وأنواعا من القصص المتشابهة بالرواية قد ظهرت في العرب قبل زمن طويل، وخير دليل على هذا "كليلة ودمنة" و"ألف ليلة وليلة" والمقامات العربية و"حي بن يقظان" لابن طفيل وغيرها من الكتب، أما الرواية الإسلامية فإنها كفن مستقل وليد السنوات المتأخرة ولو أن جذورها التاريخية ترجع إلى "حي بن يقظان" أول رواية عربية كما أنها إسلامية ، ألهمت الغرب بفن الرواية وتأثيرها على المجتمع، ثم نرى عددا كبيرا من الأدباء والروائيين المشهورين في القرون المتأخرة أمثال علي أحمد باكثير ونجيب كيلاني وغيرهم من الأدباء البارزين في الأدب الإسلامي، ولم يتخلّف الناطقون بغير اللغة العربية في هذا الصدد بل نجد عددا من الإنتاجات الراقية وكثيرا من الروايات الإسلامية التي كتبها الأتراك والفرس والهنود والأفغان والبوشناق والألبان ومسلمو آسيا الوسطى والملايو والأفارقة في مختلف اللغات العالمية، وفي هذا القرن لا يزال جم غفير من الروائيين البارعين يتقدّمون بالإنتاجات العديدة بكل تشوّق ونشاط. 

الرواية الإسلامية في القرن الواحد والعشرين

إن الكلام عن الرواية الإسلامية بلا ذكر نجيب الكيلاني كلام لا يحمل إلا عبثا، فإن له أهمية بارزة في الرواية الإسلامية المعاصرة ولو كان من الروائيين في القرن العشرين بل إنه يعد رائد الرواية الإسلامية المعاصرة، الّذي توفّي قبل خمس سنوات على الأغلب من القرن الواحد والعشرين متخلّفا وراءه عددا كبيرا ما تجاوز ثلاثين من الروايات التاريخية والرومانسية والاستشرافية التي تناول مآسي المسلمين خدمة للمجتمع الإسلامي ومعالجة قضاياه وترقيته نحو الأفضل، ومن أهم رواياته الإسلامية "قاتل حمزة" قصة وحشي بن حرب صراعا بين الإيمان والحب، ورواية "مملكة البلعوطي" التي صدرت قبل وفاته بأسابيع والّتي تعالج فكرة "القرية الفاضلة" سعيا لإقامة المجتمع الإسلامي الّذي ينهض على أساس الحرية والشورى والعدل والتكافل الاجتمعاعي الرفيع، كذلك نجد له روايات عديدة مثل "اليوم الموعود" و"عمر يظهر بالقدس" و"ليالي تركستان" و"الرايات السوداء" وغيرها من الروايات المختلفة في الأدب الإسلامي، فإن الكيلاني فتح للقرن الواحد والعشرين بابا جديدا ليتروى بها آلاف من الروائيين القادمين في القرن القادم.

كانت الروايات العربية الإسلامية مجال سباق وتنافس بين الروائيين العرب اليوم، حيث تقدم كل أديب بالمجالات والمحاور والقضايا المختلفة في الروايات الإسلامية ومن أبرزها قضايا فلسطين والانحطاط الحضاري والمجتمع المثالي والكوارث السياسية والتخلف العلمي والتأرّخ المزخرف وتناسي الأبطال وذكريات التاريخ الإسلامي في الأندلس وبغداد وغيرها من الأماكن، فنجد كثيرا من الروائيين في هذا القرن الّذين لعبوا ولا يزالون يلعبون دورا هامّا في مثل هذه الإنتاجات الأدبية النادرة، هنا نذكر أبرز هؤلاء الروائيين في الأدب العربي الإسلامي.

علي أبو المكارم: العالم المصري النحوي الروائي الرائع، له روايتان إسلاميتان نادرتان "الموت عشقا" و"العاشق ينتظر"، كلاهما متفرّدتان بنوعيّتهما الفكرية الأدبية الإسلامية، يحقّق فيهما المؤلف العدالة بين المضمون والأسلوب، والفكرة والسياسة، إذ أثار بهما انتباه اليساريين والعلمانيين والإسلاميين مع أنه يعالج قضايا المسلمين بجرأة محمودة من خلال أسلوب شعري رائق راق، ما يدل دلالة واضحة بأن الكاتب يملك رؤية إسلامية ناضجة مع تبحره الراسخ في تزيين الحروف والكلمات بالتشبيهات والأساليب الخلابة.عماد الدين خليل: أديب ومفكر ومؤرّخ عراقي، نرى له روايتان إسلاميتان هما "الإعصار والمئذنة" و"السيف والكلمة"، كلاهما تتضمن قضايا المسلمين حاليا وتاريخيا، فإن رواية "الإعصار والمئذنة" تعالج  تمرّد مدينة الموصل ضد الحكم الشيوعي في العراق زمن عبد الكريم قاسم، بينما تتمحور رواية "السيف والكلمة" على صراعيهما، وهو صراع ذهني فكري، متمثلة شخصيات مثل "الوليد" و"عبد العزيز" أو مجموعة نحو "المسلمين" و"المغول".عصام خوقير: أديب وطبيب سعودي، روايته "السنيورة" مشهورة، لما أن هذه الرواية تحمل فكرة لقاء الشرق مع الغرب، وهي بذلك فريدة لتقديم مظاهر المجتمع الإسلامي المشخصة من خلال الأحداث والقضايا، بيد أن الأداة الفني لم تقدّم حقها في سبيل تأثير المتلقي عميقا.جهاد الرجبي وسلام أحمد إدريس: من الشبان المولدين في الرواية الإسلامية العربية المعاصرة، اكتشفهما رابطة الأدب الإسلامي العالمية من خلال المسابقة الإبداعية، فازت جهاد بالجائزة الأولى بروايته "لن أموت سدى"، وفاز سلام بالجائزة الثانية برواية "العائدة"، فإن رواية جهاد تعالج موضوع الانتفاضة في فلسطين المحتلة من خلال منظور إسلامي رائع حيث تحمل الروية أهمية بالغة في الأدب الإسلامي لاستمداد لغتها وأسلوبها وتصوّرها من القرآن الكريم، بينما تتناول رواية سلام أحمد إدريس تحوّل الشخصية من عالم التحرر السلوكي والاتفلات الفكري إلى عالم الاستقامة والالتزام بتقديم النموذج الإسلامي الراقي.

أيمن العتوم: قلّ فينا من لا يعرف عن هذه الشخصية النادرة، فإنه شاعر وروائيّ أردني، له عدد ضخم من الروايات والدوواين الشعرية، ومن ميزته الفنيّة أنه يسمّي رواياته اقتباسا بالكلمات القرآنية، ولو أن بعض هذه الروايات لا تدخل في محور الروايات الإسلامية، لكن أغلبها متميّزة وممتازة بأساليب الشاعر الأنيق وأحاديث الروائي البديع، فمن أهم هذه الروايات: "يا صاحبي السجن" و"يسمعون حسيسها" متمحورتان على حكايات السجن، ورواية "اسمه أحمد" التي تتناول قصة الجندي أحمد الدقامسة في قضايا فلسطين المحتلة، ورواية "تسعة عشر" التي تتحدّث عن بطلها الّذي يموت وهو بين كتبه، أمّا رواية "أنا يوسف" فهي رواية إسلامية مشهورة، تتناول هذه الرواية قصة يوسف عليه السلام بصورة فنية أدبية ممتعة حيث يصوّر لنا الكاتب أحداثا متكاملة بالنصوص القرآنية الأصيلة وبسحر أسلوبه يجعل القارئ يعيش مع القصة وأحداثها، إذ حققت هذه الرواية مبيعات كبيرة ولاقت شهرة واسعة في مجال الرويات الإسلامية، وكذلك نجد عددا من الروايات مثل "طريق جهنم" و"حديث الجنود" و "نفر من الجن" وغيرها كثيرة، كل هذه الروايات حجة ظاهرة على تفوّق الروائي في فن الرواية، وإنه هو الرائد الجديد في هذا القرن لمثل هذه الروايات الإسلامية النادرة المتمثلة بجودة الطرح وجمال المضامين والمعاني.

الدكتورة خولة حمدي: أحسب أن هذا المقال لن يتم إلا وأذكر بنوع من التفاصيل عن هذه الكاتبة الفريدة أيضا، هي كاتبة تونسية وأستاذة جامعية حاليا، قامت هذه الروائية الشابة - وأنها لم تجاوز الأربعين- بتأليف عدد كبير من الروايات الإسلامية، كلها مشهورة بالمبيعات العالية جدا، فإنّها كما جذبت قلوب القراء بأساليبها الساحرة كذلك أسرت الآلاف بخيالها الفائق، ومن أهمها: "في قلبي أنثى عبرية" هذه الرواية مستوحاة من قصّة حقيقية ليهودية تونيسية اسمها "ندى"، دخلت الإسلام متأثرة بطفلة مسلمة يتيمة الأبوين "ريما" وبشابّ لبناني مقاوم "أحمد"، وروايتها المشهورة كذلك "أرني أنظر إليك" العنوان نفسه مقتبس من الآية القرآنية، هي أيضا قصة حقيقية لرحلة الشباب التونسي "مالك" بالصراعات العقائدية والتناقضات الفكرية إلى الحلول الشافية، نرى لها هكذا عددا من الروايات كلها تجدر لتحمل وصفا بدقة مثل "ياسمين العودة" و"غربة الياسمين" و"أن تبقى" وغيرها من الروايات الشائعة.

فيتضح ويتجلى جلاء الشمس بأن هذا التيار بدأ يفيض، وما زال الشبان من الأدباء يسجلون أسماءهم في صفحات الروايات الإسلامية، وإن أهل اللغة العربية أكثر تقدما في هذا المجال، إذ لم نستطع الوقوف على ذكر هذه الأسماء فقط بل هناك نجد جما غفيرا في هذا الصدد، حيث نجد أدباء ألفوا الروايات في هذا القرن بالمنظور الإسلامي تماما، أما إن بعض الإنتاجات قد تمس لمسات فكرية ومنهجية إسلامية، فالأبرز من كلا النوعين: سعيد رمضان البوطي، مؤلّف رواية "سيامند بن الأدغال" و"ممو زين" الرواية الّتي تعلّمنا حقيقة الحب وولهانه، ونور الإلاه وصراطه، وأدهم شرقاوي: الكاتب الفلسطيني الّذي قام بالروايات العديدة من بينها رواية "ليطمئن قلبي"، رواية إسلامية بلونها ونتائجها الرائعة.

 هكذا نجد كثيرا من الروايات المشهورة التي ظهرت في هذا القرن، والأشهر منها: رواية "بلاد تركب العنكبوت" لمنى سلامة المصرية، إن هذه الرواية تبث دلالات مبلجة على نهاية العالم بمعالجة الأفكار والأحداث، ورواية "كويكول" للدكتور حنان لاشين، هذه الرواية جزء رابع من سلسلة "مملكة البلاغة"، وكويكول اسم مدينة جزائرية عريقة، يحاول الكاتب من خلال هذه الرواية نشر حبّ القراءة في نفوس أفراد المجتمع وتقوية علاقتهم بالله الواحد الأوحد كما نرى مثل هذه الظاهرة الإسلامية في روايته "أمانوس"، ثم رواية "في الحلال" لرقية طه هي واحدة من الروائيات الشابات المشهورة، وإنّ هذه الرواية رواية لامثيلة في الأدب الإسلامي، تستوعب فيها الكاتبة عدة جوانب للحياة الإسلامية، حيث تناقش الرواية عديدا من المواضيع الدينية مع حلول المشكلات الّتي يواجهها القراء في حياتهم الطبيعية، أمّا قصّة حب بين البطلين "إسلام" و"سلمى" فهي تظهر منضبطة بالقيم والأخلاق الإسلامية، بينما نرى البطلة كم هي ملتزمة بالدين الإسلامي، ثم رواية "أمواج أكما" للكاتب المصري عمرو عبد الحميد، تتناول فيها الكاتب أهمية المحافظة على المبادئ والقيم الإنسانية حتى في أصعب الأمور ملتصقة بالأحداث والشخصيات الممتعة، ورواية "حذاء فادي" لللروائي الشاب يوسف الدموكي، إنّ هذه الرواية تتمحور على قضايا فلسطين المحتلة، إذ تدور القصة على "أنّ من يسرق اليوم حذائك وأنت لا تبالي، فليس ببعيد أن يسرق غدا أرضك الّذي تملكه، فلا تدع السارق يسرق" هكذا علّمته أمه، وله أيضا رواية "طعم البعاد" المشهورة في نفس القضايا التي تنشط القارئ إلى حلم يأمل الروائي تحقيقه من خلال الأحداث والشخصيات المتمثلة في القصة، ورواية "ركعات عشق" لناديا فريد، يناقش فيها الروائي معاني الحياة ومقصودها وما يتصل بالحياة من المعاناة والموت وغيرها من الأشياء، ثم رواية "كريسماس في مكة" لأحمد خيري العمري، الرواية الّتي تتناول أحداثا ومشاكل وقضايا المسلمين عدة، تحكي هذه الرواية عن المجتمع العراقي وعلاقاته الاجتماعية والطائفية بين الشيعة والسنية وما عانى المسلمون في مثل هذه الكارثة باسم الربيع العربي على أغلب البلدان العربية.

 هذه هي بعض من الروايات الإسلامية الهامّة في اللغة العربية، أمّا هناك كثير من الروايات المعاصرة موجودة الّتي تلمس بعض جوانب الرواية الإسلامية وهي أيضا كثيرة، ومن أبرزها: "بيت خالتي" لأحمد خيري العمري و"أنت لي" لمنى المرشود و رواية "جثة في بيت طائر الدودو" لمنى سلامة و"دقات شامو" و"قواعد الجارتين" لعمر عبد الحميد و رواية "آخر ليالي البشر" و"البعض لا يرحل أبدا"  لمريم أحمد علي وغيرها من الروايات المختلفة المنشورة في هذا القرن، والجدير بالذكر أن أغلب هذه الروايات تخرج بصورة فيلم على الشاشات السينمائيّة ما يجعل هذه الروايات أكثر شهرة وتأثيرا على الناس.

ثم ما يجب الإشارة إليه في هذا الصدد بكل الاعتناء والاهتمام هو الروايات العربية المعاصرة في هذا العصر عن "الأندلس"- الجنّة المفقودة للمسلمين-، فمن لا يعرف عن تلك الحقبة الزمنية الذهبية للمسمين من جهة وللأوروبيين من جهة أخرى، حيث تقدم الروائييون في هذا العصر بتأليف عدد من الروايات، وإنّ بداية دخول  ذكريات الأندلس في الأدب ترجع إلى أشعار محمود درويش وعلامة إقبال، وتبدأ رحلة دخول الأندلس في الرواية بعدها من عدة روايات متأخرة، من بينها رواية "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور والدة تميم البرغوثي سنة 1994م، ثم بدأ ينهمر جم كبير من الروايات في هذا العصر ومن أبرزها: رواية "مورسكي الأخير" لصبحي موسى يمزج  فبها الكاتب الماضي بالحاضر، تناول فيها ثورة الموريسكيين في البشرات بين عامي 1568 و1571، وأحداث مصر بين بين ثورة 25 يناير وصولا إلى إسقاط "الإخوان" في 30 يونيو وله أيضا رواية مشهورة "ربيع قرطبة"، تشمل هذه الرواية التاريخية الإسلامية ذكر أحداث الأندلس في الفترة الأموية بأسلوب ممتع ممتاز، وكذلك رواية "غارب" لمحمد عبد القهار، يستعيد فيه الروائيّ سيرة موسى بن أبي الغسّان آخر قادة غرناطة العسكريين قبل استسلامها للتاج الإسباني، ورواية "حصن التراب" لأحمد عبد اللطيف، يسرد فيها الكاتب قصّة عائلة محمد دي مولينا بلغة شعرية جذابة وما كان يعاني المسلمون من المعاناة على يد التاج الإسباني منذ بدايات القرن الخامس عشر وصولا إلى الطرد عام 1609م، هكذا نجد عددا من الروايات الصادرة في هذا القرن التي تستوعب بجهة مظاهرَ النظرية الإسلامية، و من أبرزها: "راوي قرطبة" لعبد الجبار عدوان و"البيت الأندلسي" لواسيني الأعرج، والجدير بالذكر أن الروايات الإسلامية قد تولّدت كفن في العصور المتأخرة ردا على التشويه التاريخي برواية "فتح الأندلس" لجورجي زيدان،  الرواية التي حملت تأثيرا مضادا من المجتمع الإسلامي لتشويه التاريخ الإسلامي، ونتاجا عن مثل هذه الروايات تقدّم الروائيّون المسلمون أمثال علي جارم ومحمد سعيد عريان وعلي أحمد باكثير وغيرهم من الروائيين ذي التوجه الإسلامي.

يبقى بنا الآن لنشير إلى الروايات الإسلامية في غير اللغة العربية المنشورة في هذا القرن، فالمعلوم بأن الأدب الإسلامي قد شاع في كل أرجاء العالم بعدما تصدى به الشيخ أبو الحسن الندوي، فتوافد العلماء والأدباء لإبراز مهاراتهم بالتأليفات والتنقيدات العديدة، وكانت الرواية الإسلامية إحدى هذه المجالات الشيقة التي أنتج فيها الأدباء والروائييون إنتاجات غزيرة بالمجهودات التامة الكاملة، ثم إنّ كثيرا من الروايات الإسلامية العربية تترجم إلى اللغات الأخرى، ما ينتج شيوع الروايات الإسلامية ومنظورها بحد كبير، فظهر إلى الوجود عدد من الروايات في لغات شتى مثل اللغة الإنجليزية والأردية والأفغانية والبنغالية والمليالمية وغيرها.

إن اللغة الإنجليزية قد قدّمت إلى الأمة عددا من الروايات الإسلامية، حيث تمكن الروائييون لتخصيص مجال خاص معروف بـ"Islamic Fiction"، وهي تختلف تماما عن "Muslim fiction"، هو كل ما ألفه المسلمون بأي نظرية شاءوا، أما "Islamic Fiction" فهي المؤلّفات الخيالية للمسلمين الّتي تستقي وتنبع عن النظرية الإسلامية الصريحة وتضع الدروس الإسلامية الصحيحة في حبكتها وتوصيفاتها الأدبية، تبدأ دخول الرويات الإسلامية في اللغة الإنجليزية من ترجمة رواية "عام الفيل" لليلى أبو زيد ثم تنشر عدد من المسلسلات الإسلامية للمسلمين، أمّا في هذا القرن فنجد أدباء وشخصيات ممتازة من الروائيين والروائيات في هذا المجال، فالجدير بالذكر منهم في هذا الصدد: أم زكية، هي روائيّة شابة مشهورة، أبهرت العالم برواياتها اللامثيلة بالنظريات الإسلامية "Footsteps" و"His other wife" و"If I should speak"  وغيرها من الروايات التي تعالج قضايا الأمة المسلمة بكل الوضوح،  أمّا الرواية الّتي تستحقّ ذكرها بكل التقدير هي " The Forty rules of love" أو "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية أليف شافاق، حظيت هذه الرواية بالصدى المتفاني عليها حول العالم حيث ترجمت إلى ثلاثين لغة، تحكي الرواية عن الشخصيات الصوفية كشمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي بسرد الحكايات والأحداث الممتعة الأخاذة، وأمّا الذين يلعبون دورا بارزا في هذا المجال فمنهم: ليلى فؤاد أبو العلا، هي كاتبة ومؤلّفة سودانية وبريطانية، صاحبة روايات "The Kindness of Enemies" و"المترجمة" وغيرها من الروايات، وكذلك وائل عبد الجواد، روائي أمريكي ومطور ويب،  قام بتأليف روايته الإسلامية المشهورة "Pieces of a Dream" أو "قطع من أحلام"، تتحدث الرواية عن الرحلة الروحية لسائق التاكسي والجندي المسمّى بـ"لويس" هكذا نجد عددا ضخما من الروايات الإسلامية في اللغة الإنجليزية والأجدر بالذكر هنا أيضا: رواية " The Dirty Version" لمدينة فارس و "Alif the Unseen" و "Cairo" لوليام ولسان، و"Mornings in the Jenin" لسوسان أبو الحواء وكذلك رواية "From Somalia With Love" و "She Wore Red Trainers" لنعيمة بي روبرت، هكذا يطول المقال بذكر سائر الأسماء، فيتّضح ويتجلّى صريحا بأن الأدباء المعاصرين في اللغة الإنجليزية توافدوا وتقدموا إلى مزيد من الإنتاجات الممتازة في الأدب الإسلامي وإن أغلبها تتلقّى شهرة فائقة في العالم الأدبي.

أمّا إن كلّ من يتعمّق ويغوص في بحور الروايات العالمية، سيحصل هكذا روايات إسلامية عديدة في كل اللغات العالمية، وبالأخص أنّها تغنى ثريّا في هذا العصر لما توارد الأدباء المسلمون المهتمون بالنظريات الإسلامية، كما في اللغة الأردية نرى أدباء ممتازين في العصور المتقدمة كنسيم حجازي وأسلم راهي وعناية الله التمش، الذين أشعلوا نار الرغبة والتشوق في قلوب آلاف القراء برواياتهم النادرة، فتولد في هذا العصر عدد كبير ومنهم: عميرة أحمد صاحب رواية "ألف" و "آب حيات"، وتنزيلة رياض صاحبة رواية "عهد الست" وأبو يحيى صاحب روايات عديدة منها "خدا بول رها هى" و"قسم اس وقت كى" و"جب زندكى شروع هوكى"، ومن لا يعرف عن بانو قدسية المشهورة صاحبة رواية "راجا كده" وغيرها من الكتب والمشهورة، فإن كل من له أدنى درجة من الفكر والنبل يفهم في بادئ الأمر بأن الأردويين وبالأخص الباكستانيين قاموا بالمجهودات الكاملة ولا يزالون يتواردون إلى الروايات الإسلامية بالنتاجات الجديدة يوما بعد يوم، ثم نرى أيضا هكذا في اللغات الأخرى كرواية "الهجرة من أفغانسان" مثلا في اللغة الأفغانية، من أجمل الروايات الّتي تعبّر عن محنة الأفغان وشدائدهم زمن الاحتلال الشيوعي الروسي، وكذلك رواية "داعش" لشمس الدين مبارك الهدوي في اللغة المليالمية، ورواية "يا إلهي" لويكوم محمد بشير من أشهر الروايات المليالمية في مثل هذا النوع، أمّا في اللغة البنغالية، اللغة المنطوقة بها حاليا في دولة بنغلاديش وبعض من الولايات الهندية كولاية بنغال الغربية وتريبورا وغيرها من المناطق المجاورة لهما، فإن البنغاليين أيضا يهتمون بإنتاج مثل هذا النوع من الروايات من الزمن القديم، أما في العصر الحديث قد تقدم جمع كبير لتقديم الروايات الإسلامية بالترجمة والتصنيف، والأشهر الّذي يستحق الذكر في مثل هذا المقام: "مسلسلات سيموم" لأبي الأسد، حيث نشر أكثر من ستين رواية كاملة تحت هذه المسلسلة، وكل هذه المسلسلات متميّزة بنوعيّتها الفريدة لما أنها تعالج قضايا المسلمين ومشكلاتهم بأسلوب ممتع ممتاز والأشهر منها "وداع أخطبوط" و"في أفريقيا المظلمة" و"حملة تل أبيب" وغيرها من الروايات.

إن تأليف الرواية عمل فنّي صعب، يقتضي موهبة فنّية دقيقة وخبرة ثقافية عميقة، وبالإضافة يتطلّب وقتا طويلا، وإن الروايات الإسلامية تستدعي أكثر مهارات ومواهب وتجارب لما أن النماذج الروائيّة سادت بتراثها القديمة، وإن كثيرا من البلدان لم تستسلم ولم ترحّب بمصطلح "الأدب الإسلامي" ظنّا بسوء واعتقادا بأنّها اختراع جديد، ولكن الروايات الإسلامية لم تقف خضم كل هذه التحديات والعوائق، بل اعتكف عليها الأدباء الموهوبون بمعارفهم البالغة ومهاراتهم الكاملة وتجاربهم التامة حتى قاموا بالإنتاجات اللامثيلة خدمة للدين الإسلامية وردا على الشوائب والشكوك المطروحة على الإسلام والمسلمين، ثم إن موضوع الرواية الإسلامية تحيط أفرادا وشعوبا ومجتمعات، ما يعني أنها ليست مجرد وسيلة للتسلية والمتعة، ولكنها أسلوب لمواجهة الواقع وتغييره نحو الأفضل والأرقى، وإن كل من يقدم أدنى درجة من الفكر يفهم بأن كل هذه الروايات تحمل بنفسها موضوعات شتى في الأدب الإسلامي، وتريد لتثبت عالما نبيلا هادفا نحو المجتمع الراقي الفاضل، وإن كل هذه الروايات تتفاوت في التناول الفني بين الأداء الساطع والأداء العادي ولكن دائما هناك يكون سعيا نحو الجديد والجيد في كل اللغات، فكل هذه العوامل تثبت صريحا بأن مستقبل الرواية الإسلامية المعاصرة ساطع، وهي تستطيع أن تثري أدبنا العالمي بالقيم الفنية والمستويات الأدبية الغنية مع توليد بيئة إسلاميّة مسلّمة أدبية بالبناء الفكري والتوجه الثقافي الجديد.

 محمد شاهنشاه ملا

باحث بجامعة دار الهدى الإسلامية

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم