شعراء الرسول وإبداعهم في المديح النبوي







تشرف شهر ربيع الأول بولادة الرسول الذي أرسله الله رحمة للعالمين حيث قام بتبليغ دعوة الله العلية إلى العالم بأسره وبشر الناس بثوابه وأنذرهم بعقابه وأخرجهم من الظلمات إلى النور ومن ارتكاب الجنايات إلى حالة تحلّوا بمحاسن الأخلاق حتى أثر حياته وشيمه النيرة المشرقة على قوم كانوا متمتعين بالمعصية  تأثيرا بالغا  حيث كان له مكانة مرموقة ودرجة عالية عند الشعوب العربية منذ ولادته من أجل مكارم أخلاقه حتى تلقى النبوة وأصبح رسولا وقائدا يقتدِي الناس به ويسيرون على نهجه الصريح القويم.

وهذا التأثير الباهر أوصل المفكرين والمبدعين والأدباء العربيين وغيرهم إلى كتابة سيرته وأخلاقه الجلية على مر العصور.ألّف العديد من العلماء في المديح النبوي  مختلطا بالنظم والنثر، على حيث علموا أن مدح النبي جزء من الإيمان بقول الله  "إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسلما" .ولذا بذلوا قصارى جهودهم وأقصى مساعيهم  في إثراء مدح النبي ونشره في بقاع العالم،وكان الوسيلة المثلى في المدح النبي قرض الشعر والقصائد،حيث رسموا فيها ملامحه الفضيلة وأخلاقه الكريمة الجلية وصفاته المحمودة وضموا فيه  من الأحداث والوقائع العجيبة الباهرة منذ ولادته إلى وفاته.

على الرغم من أن هناك اختلافات بين الباحثين والمؤرخين حول نبوغ المديح النبوي إلا أن البعض منهم يرون بأن هذا الفن نما وترعرع عبر تأليف الشعراء النابغين من ضمن الصحابة في المديح النبوي (ص)،وكان في طليعتهم حسان بن ثابت  الذي لقب بشاعر الرسول وكعب بن مالك وكعب بن الزهير وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم.ويرى البعض أن هذا الفن مستجد نشأت في القرن السابع الهجري،بإشراف الشعراء العباقرة في تلك العصور، مثل الإمام البوصري وابن دقيق العيد(ر). هناك نحاول تسليط الضوء على بعض  الشعراء الصحاببن الذين عبروا عن خالص حبهم للنبي عن طريق الشعر القصائد.

 حسان بن ثابت (ر) 

يعد من الشعراء المخضرمين الذين عاش في الجاهلية وفي العصر الإسلامية. وهو ينتسب إلى قبيلة خزرج من أهل مدينة، وبعد إسلامه أصبح شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لقب بشاعر الرسول، وكان يدافع عن الإسلام من انتقادات لاذعة من المشركين بلسانه الصارم، فعلى الرغم من أنه لم يطلع في العديد من الغزوات الإسلامية للمشركين إلا أنه كافح بلسانه الصارم حيث يعتبر مجاهدا في سبيل الحق من خلال أشعاره الجذابة وقصائده الساحرة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعجب بأشعراه ويستحسن بها ويدعوه بقوله "اللهم أيّده بروح القدس" ولذا تأثرت أشعاره في تشجيع المسلمين وحثهم على الاستبسال في ميدان القتال والنضال. 

من شعره في مدح الرسول

"وأحسن منك لم تر قط عيني

وأجمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرأ من كل عيب

كأنك قد خلقت كما تشاء

نبي أتانا بعد يأس وفترة 

من الرسل والأوثان في الأرض تعبد"

من خلال قرض قصائده لم يكن يستهدف اكتساب شيء من المكافئات أو المنح من الرسول (ص) لكن كان قصائده مفعمة من حب خالص وعشق صادق لمعشوقه ودفاعا له عن المشركين.

كعب بن زهير (ر) 

  وهو أيضا شاعر من الشعراء المخضرمين،كان إسلامه نبذة تاريخية لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للانتقال من طائف إلى المدينة كتب أخو كعب جبير بن زهير الذي أسلم قبله رسالة تفيد أنه قتل النبي بعضا من الذين هجوا الرسول، وبعض الذين كانوا في ضمنهم هربوا من ديارهم خوفا من قتلهم ،إذا أردت الحياة  فعليك أن تأتي تائبا على ارتكاباتك المشؤومة وهجائك المشنوع، لأن من أتاه تائبا يُعفى له بلا كيد،لما حصلت الرسالة إليه ضاقت له الأرض بما رحبت وعلمًا أنه سيقتل قريبا ،أتى إلى النبي تائبا وعفى له النبي وأسلم على يدي النبي صلى وقام بإنشاد  القصيدة المشهورة التي يقوم فيها بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بحبه الخاص، ويسمى هذه القصيدة قصيدة اللامية وأيضا بقصيدة 'بانت سعاد' إلا أنها تندرج وتنطوي في إطار نهج الشعر الجاهلية حيث استعمل فيها الغزل والنسيب والوصف والحماسة والاعتذار والحكم والأمثال، واستخدم فيها ملامح الحياة الصحراوية كرياح ورمال والسيف.

 من شعره

" بانت سعاد فقلبي اليوم متبول 

 متيّم إثرها لم يفد مكبول" 

ولما وصلت القصيدة 

إن الرسول لنور يستضاء به

مهند من سيوف الله مسلول

قام الرسول صلى وألبسه بردته على كعب بن زهير إكراما وتقديرا لقصيدته المدهشة،فمنذ ذلك فصاعدا  كان من المقربين للرسول(ص)،وكان يحافظ هذه البردة طوال حياته.

كان شعره مليئة بالألفاظ البدوية الصعبة التي يحتاج إلى الشرح والتوضيح ويسير شعره على منهج الجاهلية مثل امرؤ القيس ،ونهج أبيه الشاعر زهير بن أبي سلمى ،

 لما أسلم ثأثر بالقرآن والحديث لفظيا ومعنويا لكن لم يختلف من نهجه السابق في قرض الشعر إلا قليلا نادرا بل شمل فيه الأغراض المختلفة مستندا بالإسلام مثل مدح والحكم والمواعظ والهجاء خاليا من التجريح والقسوة كما كان في الجاهلية.

وقد اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته 

ومنهم سجلوا أنه توفي في سنة 24ه‍ 644م.

عبد الله بن رواحة (ر) 

 صحابي جليل ومدجج بالشعر والأدب، وقد ألف كثيرا من الشعر دفاعا للرسول وأصحابه من المشركين وكان قائدا عسكريا وأحد النقباء  الأنصاري وواحد من اثنا عشر الذين في بيعة العقبة، استشهد في غزوة مؤتة في العام الثامن من الهجرة، بعدما أسلم استخدم مقدرته الشعرية في خدمة الإسلام وأنه أسلم على يدي الصحابي مصعب بن عمير (ر)عندما هاجر النبي إلى المدينة صار مع النبي يلازمه ويمدحه وينشد بمبادئ الإسلام السامية ويرد على الشعراء المشركين 

ومن أشعاره المشهورة والمنبوه ما أنشده في وقت العمرة مع الرسول لما أمره الرسول بالنزول من أجل تحريك الركاب

"يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا 

 ولا تصدقنا ولا صلينا   

    وأنزل سكينة علينا 

 فثبت الأقدام إن لاقينا

 إن الكفار قد باغوا علينا

 وإن أرادوا فتنة ربينا "

قد قال الرسول للرواحة "أنت فثبتك الله يا ابن رواحة"عندما أنشد البيت

 "فثبت الله ما أتاك من حسن

 تثبيت موسى ونصرا  كالذي نصروا" 

 استشهد في غزوة مؤتة تحقيقا لخبر النبي(ص) حيث أعطى اللواء لزيد بن حارثة وأمر بجعفر بن أبي طالب ثم عبدالله بن رواحه بعده، وفي اليوم الثالث من الغزوة توفي الإثنان وبقي عبد الله بن رواحة ثم حمل اللواء ومضى يجاهد حتى استشهد رضوان الله عليه. 

وفي الجملة إن مدح النبي لعب ولا يزال يلعب دورا هاما في انتعاش المجتمع وتشجيع عواطفهم وتعزيز إيمانهم منذ عهد الصحابة حتى الآن . وقد استعمل المسلمون خصوصا  مسلموا كيرالا القصائد المألفة في المدائح النبوية، مثل قصيدة البردة لإمام البوصوري، دواءا لأمراضهم ومرهما لآلامهم.فأما الأشعار المنتسبة في مدح الرسول فقد انبثق من صميم قلبهم بحبهم الخالص النقي لمعشوقهم -النبي (ص) حيث ثابروا من خلالها لحصول مقاربته واستصحابه في الدنيا والآخرة.

مجتبى الحسني

باحث في جامعة الأزهر

إرسال تعليق

أحدث أقدم