القاضي أحمد شهاب الدين الفيضي؛ نبراس مسلمي كيرالا لثلاثة عقود


قد هل رمضان وشوال وقد هل ربيع الأول ومحرم، غدا الصوم غدا العيد، غدا الربيع و غداً السنة الجديدة. منبع هذه الأقوال المفرحة والأخبار المطربة كان شاطئ بحر كاباد بمقاطعة كالكوت لمدة ثلاثة عقود. الشهاب الذي كان بهذا المنبع قد انطفئ والمنار الذي بهذا المرجع قد اندرس. إنه هو الراحل القاضي أحمد شهاب الدين الفيضي الذي قام بضمان الأخوة و الاتحاد، والذي قدم الإلفة على التشتيت والحلف على الخلاف. إنه كان شهابا للعديد من الأماكن والمحلات المجاورة لكاباد كما هو اسمه. كما يدل معناه كان نجما مضيئا ساطعا. النجم هو الذي يهدي حين يضل ويرشد حين يزل في السفر. فيمكننا أن نقول بلا تمحيص أنه القاضي الحكيم و المرشد الحليم والقائد العالم. لا يرى له صاد ولا لأفاعيله من راد، حيث لا يحتاج إلى الرد من القضاء ، ولا يختلف أمامه الأعداء، بل تنموا على يديه الصلحاء، وتصلح بكلماته الطلحاء. وإنه كان بحبوبة من الخير من العلم والقيادة ، والورع والهيبة، والوقار والتواضع. كان الإخلاص رائد حياته حتى ألبس قريته مطارف الشرف بكونه أحدا من أعضاء المشاورة لجمعية العلماء لعموم كيرلا، ورائده بمقاطعة كالكوت. وشهدت الأمة فيه قائدا ناضجا ومتفوقا بمهارة التنسيق والسيادة.

 الحياة والعلم:

وهب الله هذا القائد إلى الأرض من أب كريم وأم كريمة. ولد القاضي ابنا للأستاذ نور الدين محمد باوا مسليار والسيدة فاطمة التي ولدت في قبيلة قضاة كاباد. وتلقى القاضي العلوم الابتدائية من المدرسة الحكومية بكاباد والمدرسة صيانة الولدان بكاباد. وألقى بمقاليد العلوم الدينية من عمه القاضي العالم الصوفي في.كي كنج حسن مسليار. وصار تلميذا للأستاذ أو.كي زين الدين مسليار لسنتين. وبعد كسب العلوم الدينية تخرج من أم المدارس جامعة نورية العربية بسنة ١٩٧٣-٧٤م . بعد التخرج كان أستاذا ومدرسا في المسجد الجامعي ب بُركاد وتْشِيكِلود.وبالسنة ١٩٧٨م تولى دور المدرس والخطيب، وبعد وفاة الأستاذ القاضي كنج حسن مسليار تم تعيينه في منصب القاضي أيضاً. منذ هذا التولية صار قاضياً لثلاثين محلة.

 وكان نشأته العلمية ومهاراته منفردة بصفات قل أن تجتمع في أحد من معاصريه. كان في بلده خصوصاً ومقاطعته عموماً قلعةَ العلوم و محراب العلماء. بحيث علا كعبه في علوم الدينية المختلفة وفي مهارة القيادة والتنسيق. فبهذه المعاني أجمعِها سار في العلوم أشواطا عظيمة. مع هذا كان ممسكاً أمان الوطن والعلمانية. في سجل تاريخه خطبة تسلط الأضواء على تمسكه للقيم العلمانية، خطب القاضي مواجها للناس في برنامج ضد تدمير معبد الهندوس لأجل توسيع الشارع.وإنه قال: " المساجد والمعابد مهم لأهلها، ليس أحد منا مخالف للترقية أو التطوير بل نحتاج إلى تطوير لا تضم تدمير المعابد" .

القاضي المتواضع:

قد مضت في بلدة كاباد الذي لقب بفنان الثاني برتبتها العلمية و علوها الاجتماعية والثقافية منذ السنة ٧٠٠م العديد من القضاة. كان السيد عبد الله كويا قاضياً إلى ١٢٨٦ه‍ وبعده إلى ١٣٢٨ه‍، الأستاذ ميران مسليار لثلاثة وأربعين سنة. هكذا بعده تولى المنصب العديد من القضاة على سبيل المثال القاضي كنج موسى مسليار والقاضي محمد مسليار والقاضي حسن مسليار. حتى وصل المنصب إلى القاضي العالم الصوفي حسام الدين عبد الله الله كنج حسن مسليار، وبعد وفاة هذا القاضي الجليل لحق المنصب إلى القاضي أحمد شهاب الدين الفيضي بالسنة ١٤١٢ ه‍، واستمر الأستاذ قاضياً لاثنا و ثلاثين سنة. من خلال هذه الفترة قام القاضي لدى الطامة الكبرى و البلية العظمى بالشجاعة التامة. وداوى الناس بالدواء الناجع حتى حيطت أعماله بالتشجيع والتحبيذ حيث لا يتسع له صدر الكلام. و بعدله وقضاءه صار تسبيحا على كل لسان. لا داعي فيه للحيرة لأنه كان قاضياً يعرف نبضات الناس والأمة كما يعرف راحة يديه، وخبيرا يعرف كيف يزن الأمور. ففي الإيجاز له دور كبير في تشييد أركان الدين بتراب كاباد إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. كيف لا؟! بأنه كان لهم كلمة أخيرة في الأمور الدينية والاجتماعية والثقافية على حد سواء.

لا لبس فيه ولا غموض من أن القاضي مع أنه رفيع الشأن و سامي المقام لم ينس أن يكون متواضعا، ومع أنه عزيز الجانب و منيع الحمى لم يحاول أن يتكبر بطرفة ما، ومع أنه كان ذا شخصية طال الجوزاء لا يدري كيف يفاخر. وقد حقق الخبر الخُبر لأهالي كاباد حيث يرونه ماشيا بأمصار كاباد منحنيا رأسه وبزي عاد له بكل صباح ومساء. لأنه لا يشتاق إلى الفخر بل يكرهه. وقد شهدت أهالي كاباد ومن أقام بها بمعاملاته الجلية وعظاته الربانية حيث يعظ الناس في أيام الجمعة كلها بعظاته النافعة واللآلي اللامعة. يبشر الناس وينذرهم كما يفعل النبي المبعوث، يعامل الأمور المهمة بكل أهميتها وشرفها وغيرها على نهجها. في جمعته الأخيرة من رمضانه الأخير بكى وأبكى الجميع كما صدر في خطبة الوداع من سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم. هكذا بكل معنى من المعاني كان قاضياً شجاعاً و قائدا متواضعا.وبالرغم على ذلك كله كان عبدا تقيا ورجلا عاشقا. وقد يسلم الجميع أن له هيبة وجلالة حيث تحمل القاضي والداني على تلبية أمره مهما علا أمره. انتهت هذه الحياة الجلية السنية في اليوم الأول من ذي القعد بسنة ١٤٤٤ه‍ الموافق ب ٢١/٠٥/٢٠٢٣م . من سيرته المنورة وشخصيته المرموقة لنا أن نعتبر الكثير. غفر الله لنا وله  ووسع ضريحه وجمعنا معه في العليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

عامر الحسني 

  باحث في الجامع الأزهر

إرسال تعليق

أحدث أقدم