في الصباح المبكّر ، جلستُ في الكرسيّ بشرب الشّاي، وأخذت جوّالي لأفحص الدردشات عبر تطبيقات متنوعة. ما لبثت أن أشغل بيانات الجوّال حتّى سال الرسالات الى جوّالي كما سيّل الماء من الجبل. لمّا اتجهتُ عنايتي الى مجموعة الّتي أرسل الطّلاّبُ فيها قصص عديدة. فجأةً، حرّك ذهني قصّة كما حرّك المحرّك السّيّارة. و شغلتُ في تفكيراتٍ عديدة. هذه هي القصة
كانت في قرية الّتي تقع في ضفة نهر سندُو يعيش فيها عائلةٌ صغيرة يضمن فيها أمٌّ عجوزةٌ وابنها الصغير اسمه حمدان. كان زوجها قد انتقل الى جوار ربِّه قبل عامين. ولذلك قادت حياتهما بشكل مشقة لا يأتي اليهما نصر و دعم من ورائهما. . هكذا مرّ بهما السنوات حتّى الحقت إبنها الى المدرسة الابتدائية.كان مشغوف في الدراسة وبما يتعلق بها. في هذه السياق كانت العجوزة تصرف جهدها وقوّتها الى اكتساب المال لتنمية ابنها وتربيته.وكانت لامّه طموحات عالية في إبنها الذي يملك رتباتٍ عديدة واحدا تلوا آخرا في تعليمه. وبذلت له أمّه كل غال ورخيص ليحصل في مجال التعليم تقدّم باهرة. هكذا دخل في الصّف العاشر. لم يستطع أيّ شيئ من السكر ان يسيطر عليه قطّ. وصرف جلّ وقته ليكتسب علوم متنوّعة وتجاوز كلّ امتحانات حتّى لحق في مرحلة بكالوريوس التجارة. كان له آمال بصيصة في طول حياته. وبعد ذلك كان محاسب في مكتب التّذاكر في محطة القطار.
وفي اليوم، خرج من مكتبه متأخرا الى بيته وأمّه تنتظر له بجلوس في عتبة بيتهم والعشاء يقع على الطّاولة لم تأكل منه شيئ حتّى رأت ابنه فرّت إليه وهو أيضًا إليها واعتنق أمّه وقبّلت بين عينيه وزالا الى البيت بقناعة وسرور.وبعد الاكل ذهب نحو أمّه هادئا قلبه وهي ترتّل القرآن ، فكاد إليها حتّى مال على حضنها وخ اصبعها الصغير وألبس فيه خاتما ذهبيّ.في هذه السّياق دهشت أمّه دهوشا بالغا وسقط في جبهته دمعات تباعا من عينيها واردفت مع قرائتها دعاءًا "اللهم اجعله فائزا في الدنيا والآخرة وقد به الى صراط المستقيم".
وفي يوم التّالي، كان يوم العطلة. استيقظت مبکّرا وايقظت ابنها المبجّل وصلّا معًا الصلاة الصبح. هكذا مرّ بهما لحظات قليلة حتّى اعدّ ان يذهب الى المدينة ان يشتريَ الاشياء الّتي تحتاج الى المطبخ وركب على درّاجته لخروج اليها. ما لبثتْ امّه ان تقول" ضع في هامتك خوذتك".ولكن لم ينتبه نصيحتها بصوت القارس الذي يجيئ من درّاجته حتّى خرج مسرعا الى المدينة. وكاد ان يجد اليها فاهتزّ جوالُه الذي يقع في جيبه وأخذه وحضر المكالمة وهي أمُّه تطلب بعض من الاشياء الّتي نسيتها قبل خروجه. واردفت ايضا " يا بني، اشتري لي تمرا قليلا من فضلك. لي طمعة طائلة عنه. فاذن لها بمنح قبلة عبر جوّاله.
وبعد ذلك نظر الى جيبه ليضع جوّاله فيه. فجأةً، سقط اطار الامامي من درّاجته في ثقب من ثقوب الشّارع، ففات له السيطرة عليها حتّى اصطدم درّاجتُه على حافلةٍ حكومية اصطداما شديدا. فوقع في رأسه شقٌّ كبير وتدفّق منه كمية بالغة من الدم. بعد برهة، حشد حوله طائفة من الناسِ وقد بدأوا ان يأخذوا في جوّالهم صورتَه الاليمة و يتناقلواها في مجموعاتهم ونشرت الاخبار عنه في مواقع الاجتماعية. لم يحاول احدٌ منهم ان ينقذوه حتّى بعد مليّةً اتى اليهم الاسعاف من المستشفى الحكومية واُخذه بذهاب اليها. في هذا الوقت نشر دمُه في الشّارع كما نشر اخباره في المجموعات. فتخطر ببالِه التفكيرات مع امّه من ليلة البارحة، امه تنتظر له، وتقبل على رأسه، وطلبها ليشتري التمرات بشكل سريعة. قبل بعض امتار من المستشفى ذهب من جسده الروحُ انه قد مات في حاله. بعد قليل، اتّصل الطبيب بأمه ليخبر هذه المناسبة الاليمة. لم سمعت هذ الخبر سقط الجوّال من يدها وانهمرت الدّمعات من عينيها وأحسّت الدّوران وجثّت في اديم الارض.
لم يمض وقت كثير حتّى ارتفع في ساحة بيته سرادقٌ عظيمة وجعل الفناء كثيفة من النّاس.بعد برهة، جاء الاسعاف الى البيت وكان الجوُّ قد لُفّ من الحزن. وعندما تمّ احضار جثّته الساكنة الى صالة البيت ازدحم الناسُ فيها ازدحاما شديدا. فجأةً، عرض بين النّاس جسدٌ وجهُه قد مُغطًّى بالالم وجلست على رأس ابنه المبجّل.ونظرت الى وجهه كان يبتسم عليها ونحبت كما نحب الطّفلُ حتّى مالت على وجهه وقبّلت على عينه وانفه و جبهته و اذنه و خدّه يتفتّق في وجهها انوار الاليمة. وتقول"استيقظ يا بني هذا انا امُّك ، لا لي الاّ انت ولا يحتاج لي تمرٌ ولا شيء لم تستطع ان تكمل كلماتها حتّى مالت ايضا الى وجهه. هكذا استكمل المناسك بالميّت ودُفن في مساحةٍ قريبةٍ من بيته. وكانت العجوزةُ تزور كلّ يومٍ قبر ابنه وتصرف هناك كثيرًا من وقتها ببكاءٍ بالغةٍ.
وفي يوم التّالي، نشرت في المجموعات و مواقع الاجتماعية صورتَه عن موته الّتي اشتمل فيها النّاس وهم كلُّه يأخذون صورتَه في هاتفهم بعنوان اللّافت "والعصر انّ الانسان لفي خسر".
شامل منير
طالب في كلية تنوير الإسلام كوندوتي
Tags:
قصص