هذا يوم الذكرى لتحرير الهند من أغلال العبودية التي قبضت حلقاتها الإمبراطورية البريطانية المتوحشة الممتدة العظيمة. اليوم يجدد وطننا مرة أخرى ذاكرة الماضي المجيد. أظهر القادة الوطنيون من أجل الحرية روحًا قتالية لا مثيل لها في التاريخ. ذاكرة القصة البطولية لأمة سارت معًا نحو نفس الهدف دون تمييز بين الدين والطبقة واللون تشعرنا فخرا وعزة مع أن أولئك الأبطال يستحقون منا التبجيل والتكريم. مهاتما غاندي، جواهر لال نهرو، مولانا أبو الكلام آزاد، بي آر أمبيدكار ، سردار فالاباي باتيل، مولانا محمد علي جوهر، تيبو سلطان ... هناك العديد من الأسماء المكتوبة بالذهب في التاريخ. كانت آمالهم لإدراك قيمة الحرية وحمايتها
عظيمة.
لقد اكتمل ستة وسبعون عامًا منذ التئام جروح أصابت بصدر الهند. وفي الوقت نفسه نشك أن الهند هل تعود إلى ماضيها حينما يمسك أزمة الهند السياسية أولئك الذين دهنوا الفلفل الحار على جروحنا في وقت النضال من أجل حرية البلاد، وترددو في احتفال يوم الاستقلال طوال سنين. يزعجنا هذا الحال البائس السخري كثيرا. ولكن هناك كثير من الأحداث في طيات كتب التاريخ لنفتخر بها في هذا اليوم عن أجدادنا وأمجادنا.
كانت الهند أرضًا ممتلئة بالنعم والموارد المتعددة، ولم يعرف السلاطين والمغول الذين حكموا هذا البلد لعدة قرون مدى عمق الظلم. رعوا هذا البلد والناس بأحسن وجه ممكن، وحكموا هذه البلاد بالعدل والإنصاف. ولم يحاولوا لاستغلال هذه البلاد ومواردها البشرية والمالية. ولكن منذ رسا فاسكو دا غاما جنوب الهند عام 1498 ، بدأنا نشم رائحة الخطر. منذ ذلك الحين ابتدأت تحركات فذية ضد الاحتلال الأجنبي. ثم جاء البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون وأخيراً البريطانيون لأجل تحقيق أمنياتهم التجارية. لكن لم تقتصر أمنياتهم على الأهداف التجارية فقط، بل امتدت حتى امتصوا جميع ثروات الوطن التي تطول قائمتها من الملح إلى التوابل الثمينة، كانت تكفي لأبناء الهند أن يعيشوا عدة قرون مع كل أنواع الخصب والرغد. صدرتها القوات الأجنبية إلى بلادهم حتى جعلوها كنائز للأموال المختلسة.
إن سذاجة أمة لا تعرف إلا أن تستقبل أي شخص أجنبي وتعامل معهم بتسامح، هي التي مدت الجسر للقوات الأجنبية للدخول إلى أراضيهم والرعي فيها كما يحلو لهم. فلما صعدوا قمة الصبر والتسامح نبضت من بين أيديهم أفكار الحرية والضجاج لتحقيقها، وقاموا بالدفاع عنهم ولكن الوقت كان متؤخرا. أشعة الاحتجاج الصغيرة التي كانت تشاهد هنا وهناك حتى عام 1857 أصبحت التهابات الثورة الكبرى في عام 1857. بعد أن اشتمت بريطانيا تمامًا على الخطر الذي قد تسبب عنه الهند إذا بقيت موحدة، حاولت أن يفرق جمع الهنود بنشر بذور النفرة الدينية والطبقية بينهم، فتعاملوا مع بعضهم برفقة بينما كانوا يتعاملون مع الأخرى مع العنف والشدة ليتشاجر بعضهم بالبعض حتى يؤكد التاريخ اللاحق أنها نجحت إلى حد ما. ولم يكن لديهم أية صعوبة حتى بداية القرن العشرين في استغلال الهنود الذين بهتوا أمام رؤية كيفية قمعهم الثورة الكبرى التي اجتاحت شمال الهند بأكملها منادين بأنها أعمال الشغب السيبوي.
تغير التاريخ بعد عام 1915. عندها عاد قائدنا الذي ذهب إلى إفريقيا بعد أن نبغ في العلوم السياسية والقانونية وتناول اللغة الإنجليزية، موهنداس كرمشاند غاندي الذي سماه الهنود مهاتما غاندي تكريما وتبجيلا له، كان على متن السفينة التي أتت من إفريقيا إلى الهند عبر كيب تاون. الحوادث التي شاهدناها لاحقًا لم يكن لذلك مثيل في التاريخ قبله ولا بعده. عهده الأول من ضفاف نهر فايغا بأنني لن أرتدي ملابسي بالكامل ، ولن تلمس قدمي الأحذية ، حتى كان الفقراء الجائعون في الهند يرتدون الملابس كان كافياً لإشعار أول اهتزاز على عرش السلطة البريطانيا.
إن أصداء ساتياغراها القائم على اللاعنف في عام 1917 في شامباران بولاية بيهار لمزارعي نيلام ، وفي عام 1918 في أحمد آباد لعمال مصانع النسيج وفي خيتا لمزارعي القمح، كانت تكفي أن تضع البريطانية في أزمة رهيبة. حركة عدم التعاون التي ظهرت في عام 1919، هزت شوارع الهند الريفية والحضرية في العشرينيات، وحركة الخلافة التي عملت دورا عظيما في تأكيد التحالف الديني بين الهندوسيين والمسلمين وسائر أصحاب الأديان الأخرى، وحركة عصيان قواعد المدني، والاحتجاجات الأخرى الكثيرة كلها لعبت دورا كبيرا في الدفاع عن القوات الأجنبية وفي تيسير طرق الاستقلال.
إن الصراعات التي ورطت البريطانية في مشكلات عديدة إلى هذا الحد لا تكاد توجد في التاريخ العالمي. كان مهاتما جي يجمع القرى الهندية على شواطئ البحر من خلال استعمال الملح الذي إنما هو منتج ضئيل لمياه البحر كسلاح حاد للنضال.
وفي الحقيقة إن الوقعات التي اخترقت صدور البريطانيين في الثلاثينيات من القرن الماضي المحيطة على رحلة دندي، والرحلات الأخرى التابعة لها، وساتياغراها، وبعض الحركات المسلحة واجتماعات الطاولة المستديرة، وكفاح مغادرة الهند (Quit India) في عام 1942 ، اضطرت البريطانيا ومسؤولوها من مونتباتن وغيره إلى أن يقرروا على وقف هذا النهب والاستغلال.
عندما نصل إلى ضفة الحرية في عام 1947 ، سقونا عصير مرارة تجزئة الوطن، قسموه إلى نصفين أو رمونا بسهم يخرق قلوبنا، فأصبحت مياه نهر الجانج (Ganga)حمراء بشرب دم حياتنا، وتم منع تدفق المياه في نهر هوجلي (Hooghly) بواسطة أجسام ضحياتنا المتراكمة. بينما ينزل علم بريطانيا ويرفع ألواننا الثلاثة الفخورة في القلعة الحمراء، كانت مشاعر الهند تضطرب مختلطة بالفرح والحزن.
لم يجلب لنا البريطانيون الحرية على طبق من الفضة، بل وصلت الهند إلى شاطئ الحلم باستقلالها بالسباحة في أنهار دم شهدائنا حيث تشتت قلوبهم وأدمغتهم في ميادين المعركة. فتكونت ثقافة هذا البلد من أرواح آلاف ضحياتنا الذين كانوا يعتقدون بأديان مختلفة، ويتمارسون تقاليد متنوعة.
كنا متحدين في ذلك الوقت بالأجساد والقلوب والأفكار، ووقفنا جنبا بجنب وكتفا بكتف حتى وصلنا إلى هدفنا الوحيد. هذه هي ثقافتنا العزيزة العظيمة، التي هي أكثر قيمة عندنا من أي شيء آخر. ولكن للأسف نسمع حاليا عدة أحداث تمحو سطوعها وضيائها من كل الجوانب، تلك الأحداث تشكل تحليلها بأن الأيادي السوداء العاملة ورائها تمتد إلى عرش الحكومة الفاشية المركزية أو أحلافها. وهذا يقلق كثيرا من المواطنين الهنديين الذين يحبون وطنهم ويخدمونه بموهباتهم وقدراتهم المتنوعة المتقومة ويقومون بحراسة ثقافته العظيمة الفاخرة، فقاموا بتخطيط شتى المشاريع لإعادة ثقافتها المضمحلة من جديد، وتوحيد صفوفهم لتحقيقها كما فعل أجدادهم في الأيام الماضية ضد القوات الأجنبية، أعمالهم يعطي لنا آمالا جديدة ويحثنا للحلم عن يوم جديد.
صالح الوافي
محاضر في جامعة عين الهدى الإسلامية كاباد