التقويم الهجري؛ نظرة خاطفة عبر التاريخ




إن الإنسان يعتمد في حياتهم على الشمس والقمر ليعلموا السنوات لإقامة أمورهم في أحوال مختلفة. واعْلَمْ أَنَّ انْتِفَاعَ الْخَلْقِ بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَبِنُورِ الْقَمَرِ عَظِيمٌ، فَالشَّمْسُ سُلْطَانُ النَّهَارِ وَالْقَمَرُ سُلْطَانُ اللَّيْلِ وَبِحَرَكَةِ الشَّمْسِ تَنْفَصِلُ السَّنَةُ إِلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَبِالْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ هَذَا الْعَالَمِ وَبِحَرَكَةِ الْقَمَرِ تَحْصُلُ الشُّهُورُ، وَبِاخْتِلَافِ حَالِهِ فِي زِيَادَةِ الضَّوْءِ وَنُقْصَانِهِ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ رُطُوبَاتِ هذا الْعَالَمِ وَبِسَبَبِ الْحَرَكَةِ الْيَوْمِيَّةِ يَحْصُلُ النَّهَارُ وَاللَّيْل.

وخلق الله تعالى القمر والشمس لمصالح الإنسان الذين لا ينفع بهما إلا في الدنيا، قال الله سبحانه وتعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ(يونس 5) ويمكن ترتيب مهمات معاشيه من الزراعة والحراثة وإعداد مهمات الشتاء والصيف من الأمور الدنيوية وكما علمنا أن االمكتوبات الخمسة والحج والعيدين وغيرها من أمور الدينية متوقفة على الأوقات التي يعلمها بتغيير منازل والقمر. 

ومن المفسرين طائفتان خط حيث قال أحدهم بأن الله تعالى قدر الشمس والقمر كلاهما والآخر للقمر فقط قال الإمام الرازي في تفسير هذه الآية رأيين بأن الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَقَدَّرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا وَحَّدَ الضَّمِيرَ لِلْإِيجَازِ، لِأَنَّ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِسَيْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التَّوْبَةِ: ٦٢] وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ هَذَا الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الْقَمَرِ وَحْدَهُ، لِأَنَّ بِسَيْرِ الْقَمَرِ تُعْرَفُ الشُّهُورُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّهُورَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الشَّرِيعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ، وَالسَّنَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الشَّرِيعَةِ هِيَ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللَّهِ [التَّوْبَةِ: ٣٦] .

بل القرآن يشير إلى أن يستعمل القمر والشمس للاعتداد الأعوام. قال الله سبحانه وتعالى في كلامه المجيد ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا (كهف 25) كانت المدة ثلاثمائة سنة من السنين الشمسية وثلاثمائة وَتِسْعَ سِنِينَ مِنَ الْقَمَرِيَّةِ، لأنه إن الله تعالى قال قصة الكهف جوابا لليهودية. وهم يعتمدون على الشمسية. ولكن الاعتبار في الإسلام على القمرية كما ذكر واعتمد عليها أيضا النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الشريفة وعليه أحاديث عديدة ومنها حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم؛ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية لمسلم:فإن غم عليكم؛ فصوموا ثلاثين يومً. 

 مقدمة على التقويم الهجري

عرّف التقويم الهجري بالتقويم القمري؛ لأنه يعتمد على دوران القمر حول الأرض، فالتقويم الهجري يُتّخذ من رؤية الهلال، وتكون الرؤية بعد أن تغرب الشمس بداية للشهر الهجري فى اليوم التالي للرؤية، وتكون بداية اليوم في التقويم الهجري عند غروب الشمس، وينتهي بالغروب الذي يليه. وعدد أيام الشهر الهجري تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً، وكل اثني عشر شهراً يساوي عاماً هجرياً كاملاً، وكانت بداية إحصاء التاريخ الهجري منذ أول المحرم للسنة التي هاجر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة.

وعدة الشهور القمرية اثنا عشر كما في الشمسية وإليه قوله تعالى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (التوبة 36) وهي قمرية لأن الله تعالى بين في حكمة خلق القمر انه مبين الشهور والسنوات ومقدار الأوقات للناس ويختلف التقويم الهجري عن الميلادي في حساب الأشهر؛ إذ يقاس الهجري بدورة القمر حول الأرض، على خلاف الميلادي الذي يعتمد على دوران الأرض حول الشمس، مما يؤدي إلى تباين أيام الشهر بين تسعة وعشرين وثلاثون يوما في التقويم الهجري، أما الميلادي فهو محدد الأيام. والبعد بين القمرية والشمسية إحدى عشر يوما تقريبا ولذا أن الشهور القمرية يدور في أحوال مختلفة اي الفصول الأربعة كما شهدنا برمضان في الحرارة والصيف والرحيف والربيع

ايتداء التأريخ

وينبغي على كل من اعتمد على أن يعلم التاريخ العام الهجري وما يتعلق بها من التأريخ منذ خلق الله تعالى ابو البشر آدم عليه السلام إلى الهجرية. قال الإمام جلال الدين السيوطي في الشماريخ في علم التأريخ "ولما أهبط آدم من الجنة وانتشر ولده ارخ بنوه من هبوط آدم فكان ذلك التأريخ حتى بعث الله نوحا فارخوا ببعث نوح حتى كان الغرق فهلك من هلك ممن كان على وجه الأرض، فلما هبط نوح وذريته وكل من كان معه في السفينة فكانت تأريخ من الطوفان الى نار ابراهيم، فلما كثر بنو ابراهيم افترقوا، فأرخ بنو اسحاق من نار ابراهيم الى مبعث يوسف عليكم السلام ومن مبعثه الى مبعث موسى عليه السلام ومنه الى ملك سليمان عليه السلام ومنه الى مبعث عيسى ابن مريم عليه السلام ومن مبعثه الى مبعث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأرخ بنو اسماعيل من نار ابراهيم الى بنيان البيت حين بناه ابراهيم واسماعيل عليهم السلام ومنه الى ان تفترقت بعد ذلك، فكان كلما خرج قوم من تهامة ارخوا بخروجهم ومن بقي من بني اسماعيل يؤرخون من خروج سعد ونهد وجهينة حتى مات كعب بن لؤي فارخوا من موته الى الفيل ، فكان تأريخ من الفيل الى ان ارخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الهجرة ".

مبدأ تقويم الهجرية

ولم يكن التاريخ السنوي معمولا به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته (سنة ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة) كتب إليه أبو موسى الأشعري : "إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ". فجمع عمر الصحابة للبحث عن حل هذا الإشكال، فاختلفوا بين من يرى اعتماد تاريخ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن يرى اعتماد تاريخ وفاته، وبعضهم اقترح العمل بتأريخ الفرس أو الروم فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الروم يطول تاريخهم يكتبون من ذي القرنين و الفارس كلما قام ملك طرح من كان قبله وقال بعضهم من مهاجره، فقال عمر: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة " واتفقوا اخيرا على الهجرة.

ولكن بين مؤرخين اختلاف على من يأرخ سنة في الهجرية اولا، ومنهم من قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأول فيه بخلاف من زعموا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورجح الإمام السيوطي في الشماريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم هو مؤرخ اولا بعام الهجرية وأتى بتأييدها حديث عن ابن شهاب ان النبي صلى الله عليه وسلم امره بتاريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع الاول ضرباهم يعقوب بن سفيان ثنا يونس ثنا ابن وهب عن ابن جريج عن ابن شهاب انه قال التاريخ من يوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا قال ابن عساكر هذا اصوب . وقال ايضا حديثا آخر وهو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارخ بالهجرة حين كتب الكتاب لنصارى نجران وامر عليا ان يكتب فيه انه كتب بخمس من الهجرة . وبعد ذلك حقق امام السيوطي المؤرخ اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر تبعه . ولكن الحافظ ابن حجر العسقلاني يرده بتقديم ضعف حديث ما ذكر السيوطي ورجح عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ارخ في مدة خلافته في شرحه لصحيح البخاري. ولا خلاف بين الطائفتين ويمكن أن نجمع بينهما انه كان التأريخ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أتى بالضبط خاص في مدة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.ل

 لم يبدأ الهجرية بغير محرم٠  

نبه الله سبحانه وتعالى في كلامه المجيد أن عدة الشهور عنده اثنا عشر شهرا وأربعة منها حرم ولكن لم يوضح ترتيبها واسمائها وأسس كلها رسول الله وأصحابه صلى الله عليه وسلم وهن محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جماد الأول، جماد الآخر، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة . واخرج ابن عساكر -من طريق الاصمعي قال:كان عمرو بن العلاء ،يقول :انما يسمى المحرم لأن القتال حرّم فيه ، و'صفر ' لأن العرب كانت تنزل فيه بلاداً يقال لها 'صفر ' وشهرا 'كانوا يرتبعون فيهما.و'جماديان' :كانوا يجمدون فيهما الماء ،و'رجب' كانوا يرجبون فيه النخل.و'شعبان' تتشعب فيه القبائل .و'رمضان' رمضت فيه الفصال من الحر .و'شوال ' شالت فيه الابل بأذنابها للضراب .و'وذو القعد' تعدوا فيه عن القتال و'ذو الحجة' كانوا يحجون فيه.

 ومن الضروري ان تعلم رواية إمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله- في سبب جعلهم بداية التأريخ في شهر محرم وليس في ربيع الأول الشهر الذي تمت فيه هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم- أن الصحابة – رضي الله عنهم- الذين أشاروا على عمر –رضي الله عنه- وجدوا أن الأمور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة، هي مولده ومبعثه وهجرته ووفاته، ووجدوا أن المولد والمبعث لا يخلو من النزاع في تعيين سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى عند المسلمين، فلم يبق إلا الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان من المحرم، إذ وقعت بيعة العقبة الثانية في ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو هلال محرم، فناسب أن يُجعل مبتدأ.. ثم قال ابن حجر: وهذا أنسب ما وقعت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم.

وقال ايضا في فتح البارى روى ابن أبي خيثمة من طريق ابن سيرين قال قدم رجل من اليمن فقال رأيت باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا فقال عمر هذا حسن فأرخوا فلما جمع على ذلك قال قوم أرخوا للمولد وقال قائل للمبعث وقال قائل من حين خرج مهاجرا وقال قائل من حين توفي فقال عمر أخروا من خروجه من مكة إلى المدينة ثم قال بأي شهر نبدأ فقال قوم من رجب وقال قائل من رمضان فقال عثمان أرخوا المحرم فإنه شهر حرام وهو أول السنة ومنصرف الناس من الحج قال: فكان ذلك سنة سبع عشرة في ربيع الأول من الهجرة. قال الشامي هو محمد بن يوسف الصالحي الشامي هو مؤرخ من مؤرخي القرن العاشر الهجري في رائعة كتابه سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد بعد ما ذكر تأييدا له رواية عديدة ومنها رواية حاكم عن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - لما جمع عمر الناس سألهم من أي يوم نكتب التاريخ، فقال علي - رضي الله تعالى عنه - من يوم هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك أرض الشرك ففعله عمر.قال الحافظ - رحمه الله تعالى: واستفدنا من مجموع هذه الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر، وعثمان وعلي - رضي الله تعالى عنهم. وهذا كشهور بين المؤرخين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم