تجليات الحكومة الإسلامية في ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين


المقدمة 

إن الكتب السياسية الصلاحية تتبوأ مكانة بارزة بين الأجناس من الذكر والأنثى من حيث الكثرة والازدهار والانتشار، وتشتمل فيها الأعمال الإبداعية المختلفة من حيث المحتوى والمضمون الجريء، وتقتحم في طرح القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية،وإن هذا الكتاب المسمى بـ"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" يتصور المجتمع المتدين بوضوح من خلال التركيز على حياة بعض أعاليم الإسلام بالنواجذ، ويعرض الوقائع التاريخية ويتحاكم بين القضايا التي تعرضها إلى الحق والواقع، ويرسم صورة العالم كلها من بين الجاهلية إلى الآن، ويبين كيفية الطرق للسيطرة على الذين غلبوا على الإسلام في الجاهلية.

  نبذة عن حياة الكاتب أبو الحسن الندوي

  قد اعتنى الأساتذة والمهتمون بالتعليم والتربية في الهند دائما وبالسياسة خاصة، بتأليف الكتب المتعلقة بالمحاور كلما دعت الحاجة إلى ذلك، والجديد في هذا المضمار كتاب 'ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين' للإمام أبو الحسن الندوي، قد أثمرت جهوده آثارًا عظيمة كبيرة، أجدرها تطوير جامعة ندوة العلماء، وتأسيس معهد الدعوة والفكر الإسلامي في الهند، وفي جامعة أكسفورد، وفي بروناي. ودعا غير المسلمين في الهند وخارجها، وشغل مناصب مؤثرة كثيرة، وقد ألّف الأستاذ عدة مؤلفات بما فيه “النبوة والأنبياء في ضوء القرآن، "ومختارات في أدب العرب" وسلسة “قصص النبيين” للأطفال وسلسلةً أخرى للأطفال باسم:“القراءة الراشدة” في الفترة مابين 1942-1944م.وألَّف ما يزيد على مائتي كتاب بعدة لغات، وترجمت إلى عدة لغات. وقد لاقى كتاب “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” ثناءً عظيمًا من أهل العلم والفكر، ألَّفه عام 1945م، ونُشر في مصر.

  "مراجعة الكتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين

  وهذا الكتاب الذي بين أيدينا لا يثير في نفسنا على مجرد الاستشارة الوجدانية أو العصبية الدينية، بل يتخذ الحقائق الموضوعية أيضا، فيعرضها على النظر والحس والعقل والوجدان جميعاً، ويعرض الوقائع التاريخية والملابسات الحاضرة عادلاً مستنيراً، ويتحاكم في القضية التي يعرضها إلى الحق والواقع والمنطق والضمير كاملة، فتبدو كلها متساندة في صفه وفي صف قضيته، بلا تمحل ولا اعتساف في مقدمة أو نتيجة، وتلك مزية من مزايا الكتاب.

  وإنّ لغة الكتاب من الجمال والعذوبة مبهرة كثيرة، تبدأ من حال البشرية قبل الإسلام في أنحاء العالم وتحت حكم إمبراطوريات مختلفة من تخبط وضلال في كل مناحي الحياة وزواياها وحاجتها الشديدة لمنهج أساسي يقوم حياتها ثم يبزغ فجر الإسلام بشريعته السماوية وسلطانه وموافقته للفطرة فيحدث ” انقلاباً ” لا مثيل له في النفوس على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، فينجب بشراً حملوا رسالته وبنوا حضارته وأسعدوا البشرية تحت حكمهم. ثم تأتي عصور انحطاط الدولة الإسلامية وما حملته من فساد و بعد عن الغاية والهدف، ونتيجة لذلك بدأت أوروبا مشروع نهضتها تحدث عن ما ارتكزت عليه في بناء حضارتها والمراحل البائسة التي مرت بها حتى وصلت لشكلها الحالي والشقاء الذي جلبته للعالم .والذي كلما تقدم الزمن أصبح أكثر وضوحاً وأشد قسوة 

  إنّ المصنف يرسم الصورة في هذا الكتاب لهذا العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً وكيف تسيطر عليه روح الجاهلية فيسوده الظلم والعبودية وتفشاه غاشية من الكفر والضلال، فإذا فرغ المؤلف من رسم صورة العالم بجاهلية هذه، بدأ يعرض دور الإسلام في حياة البشرية، ودوره في تخليص المجتمع الإنساني من الظلم والطغيان. ومن التفكك والانهيار، ومن فوارق الطبقات واستبداد الحكام واستدلال الكهان، ودوره في بناء العالم على أسس من الفقه والنظافة والإيجابية والبناء، والعدالة والكرامة، ومن العمل الدائب لتنمية الحياة وترقية الحياة، وإعطاء كل ذي حق حقه في الحياة. كل أولئك في إبان الفترة التي كانت القيادة فيها للإسلام في أي مكان، والتي كان الإسلام فيها يعمل. ثم تجيء الفترة التي فقد الإسلام فيها الزمام، بسبب انحطاط المسلمين، وتخليهم عن القيادة التي يفرضها عليهم هذا الدين، والوصاية التي يكلفهم بها على البشرية، والتبعات التي ينوطها بهم في كل اتجاه.

   ثم يستعرض المؤلف أسباب هذا الانحطاط الروحية والمادية، ويصف ما حل بالمسلمين أنفسهم عندما تخلوا عن مبادئ دينهم، ونكصوا عن تبعاتهم، وما نزل بالعالم كله من فقدانه لهذه القيادة الراشدة، ومن انتكاسه إلى الجاهلية الأولى ويرسم هذا الخط عن طريق التأمل الفاحص. ومن خلال هذا الاستعراض، كنت أحس بمدى الحاجة البشرية الملحة إلى تغيير القيادة الإنسانية، وردها إلى الهدى الذي انبثق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجاهلية إلى المعرفة، وبمدة الخسارة التي حلت بالبشر جميعاً، لا بالمسلمين وحدهم في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل القريب والبعيد.

    إلى جانب ذلك فإن الخصوصية البارزة في هذا الكتاب كله هي الفهم العميق لكليات الروح الإسلامية في محيطها الشامل، وهو لهذا يعد نموذجاً للبحث الديني والاجتماعي كما ينبغي أن يكتب من الزاوية الإسلامية، فهو ينظر إلى الأمور كلها، وللعوامل جميعها، وللقيم على اختلافها فحين يتحدث المؤلف عن رد القيادة العالمية إلى الإسلام فهو يتحدث عن مؤهلات القيادة.

    أخيراً ينهي الكاتب حديثه بأن يبقي الأمل متوقداً في النفوس، بعوامل عدة لبها الإسلام لنستطيع النهوض من جديد، فالإسلام الذي هزم الجاهلية الأولى قادر أن ينتصر على الجاهلية التي نعيشها الآن و ينقذ البشرية ويعمر الأرض مهما بدا الأمر شاقاً و العالم مظلماً و العقول في حيرة، ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه ِوَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)

الخاتمة

    عقب دراسة هذا الكتاب نتوصل إلى أنه يسدّ ثغراً فارغاً في الأوساط العلمية عن كيفية السيطرة والسياسة، ويفصح حكومة العرب الجاهلية التي كانت من قبل وسياستها، ويفصل الأسباب التي بها انحط المسلمون في العالم كله كما يلقي ضوءًا وافياً على أعمالهم التي برزت في البلدان المختلفة. فيجد القارئ من خلال دراسة هذا الكتاب معلومات جمّة عن أحوال المسلمين في القيادة العالمية وأسباب نزولهم، والحاجة البشرية الملحة إلى تغيير القيادة الإنسانية التي قد فقدت في عصرنا هذا، فهذا التأليف لا يفي بضرورة طلاّب الذين يشتاقون سيطرة القيادة فحسب بل يزوّدهم بمعارف الأحوال البشرية في الماضي والحال

محمد شاه جهان

طالب جامعة دار الهدى، بنغال الغربية


 


إرسال تعليق

أحدث أقدم