دروس من معاملة الرسول مع غير المسلمين


         حياة اندلعت الرحمة من مجامع الفؤاد.هذه هي عيشة رسول الله.لقد أوسع الله قلبه رحمة.فبذلك نتمكّن أن نرى طيلة حياته أنّه كان رمز الشفقة والرأفة.لكن لم تكن أخلاقه هذه مقتصرةً عند المسلمين فحسب بل ألقى تعاطفه القبض على قلوب غير المسلمين .وكذلك إذا تمشّينا خلال أسطار صفحات التواريخ وجدنا فيها المواقف الّتي تدلّ على وسعة قلبه مع غير المسلمين.

معاملة الرسول مع غير المسلمين:

لا شكّ في أنّ النبيّ (ص) كان يقوم بتطبيع العلاقات مع اليهود والنصراى في كلّ الأمور سوى عباداتهم.فله بعض المواقف من العفو والصفح عنهم بما في ذلك,أنّه كان من عاداته أن يُكرم الهدية من اليهود.فيوما وفدت عليه امرأة يهوديّة تحمل له ولأصحابه هدية بإرادة قتله وأمدّت إليه, فعلم النبيّ أنّها لشاة مسمومة.فنُقِل على لسانه (ص) أن يتركوها.فتركوها جميعا.آنذاك أقرّ الأصحاب على قتلها انتقاما من سلوكها.فما أن استعدّوا عليه حتّى عرقلهم الرسول.

أما طرح النبيّ بنت شفته أن نبرّ للمقتربين منّا.ممّا يدلّ على هذا كان له خادم يخدمه في أحسن صورة,فذات يوم أخذ المرض مكانه عليه فعزم(ص) على زيارته تواضعا وجزاء لخدمته ورجاء إسلامه.وحينما وصل بيته لقد أدرك أباه قارئ التوراة عند رأسه.فسأله الرسول هل تُعقّب فيها بنعته فأجابه لا,لكنّ الخادم قال له:نعم, يا رسول الله.ثمّ اعتنق الإسلام والتجأ إلى شاطئه.فقال الرسول "الحمد لله الّذي أنقذه من النار".

حتى في أواخر لحظاته:

ومن المُقرّر,أنّ النبيّ كان يقوم بالتسامح مع غير المسلمين في الأمور الاجتماعية والعلمية والتجارية.قد كان تمّ تخصيص للغلام اليهوديّ في مجالس المعارف مثل مزاولة الطبّ, والزراعة وغيرهما.ومن الجدير بالذكر, أنّه كان يتشاغل معهم في البيع والشراء.من ذلك, رهن النبيّ درعه عند يهوديّ في آخر لحظاته.واستقرّ ذلك عنده حتّى لقي النّبي حتفه.إنّ ممّا لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان,أنّه كان مبسوط الكفّ للمتضررين من الفقرة والظلمات.

وهذا هو رجل غير مسلم قرر أن يقتل النبيّ وهو يطوف الكعبة يوم الفتح.وأتى إليه فساْله النبي "ما جاء بك؟" فسرعان ما أجابه."لا شيء عليّ بل كنت أذكر الله".فقال له النبي وهو ألقى التبسم على وجهه."أستغفر الله".ثمّ وضع يده على صدره واندهش الأصحاب من ردّ فعله وقال الرجل:ما رجل عاملني مثل هذا حتى ما أجد على ظهر الأرض بأحبّ إليّ منه".

بيد أنّ النبيّ كان يخطب ويعمل معهم، لم يُجبر باعتناق الإسلام بل ترك لهم الحرّية الكاملة والاختيار للدين والعقيدة على كيفهم كما وضع الله تبارك وتعالى النقاط على الحروف في محكم تنزيله "فمن شاء فليُؤمن ومن شاء فليكفر".لكنّ بذل الرسول قصارى جهده حتى في أعقاب الدعاء.ممّا ينبّأ هذا, ذات مرّة قدم الطفيل بن عمرو على رسول الله وقال: يا رسول الله, إنّ دوسا(إحدى القبائل العربية الشهيرة.موطنهم الأصلي غرب شبه الجزيرة العربية.) أبت وعصت.فادع الله عليها.حينئذ ظنّ الأصحاب أنّ النبي سيبتهل ضدّها.لكنّه رفع يديه إلى الله قائلا:اللهمّ اهد دوسا وأْتِ بهم.لأنّ النهي عن الدعاء على غير المسلمين في حقّ من يرجى تألّفهم ودخولهم إلى الإسلام.وبالإضافة إلى، يوما طلب أحد الأصحاب الرسولَ من دعائه على المشركين.فقال الرسول إنّه لم يُبعث لعّانا وإنّما بُعث رحمة.

معاملته في غضون الدعوة:

نتمكّن أن نرى في حياة النبيّ أنّ بعض صفحات دعوته لم يكن فيها هادئ القلب وساكنه.لقد لقي كذا بوائق.كلّما حلّت المشاكل والمعاتبات عليه حتى من أقاربه ما زالت يداه مرتفعتين إلى ربه.وكان أعظم التهديد من عمّه أبي لهب وزوجته الّتي تعقّب القرآن بها في سورة المسد.إنّما كانا يتّبعان آثار النبيّ حيث يتّجه من أجل الدعوة.حينئذ تضع امرأة أبي لهب أشواكا ونفيات في طريق رسول الله.وقد يتطلّب موقف الأذى من الكفار مواجهتهم بما يردعهم من التكليف بدون التعدّي عليهم كما فعل الرسول بالدعاء على من رموا سلا الجوزر على ظهره إذ كان يصلِّى. بئس ما واجه من الكرب أن يطرده المشركون من مكّة.وفي ذلك الوقت جعل بعضهم يرمون الأحجار والأشواك نحوه حتى أثّرت على ملامح وجهه.وانتفخت رجلاه انتفاخا وأخذ الدم يسيل على جلده.عند ذلك نزل عليه جبريل واستأذن منه أن يدمّر أنفسهم ويبدّد أموالهم.لكن ردّه قائلا إنّما عسى أن يكون أولادهم مسلمين.فإقامتهم لازمة.

                                مثل هذا نستطيع أن نرى على مستوى حياته مختلف الكرب والعوائق لا تُحصى ولا تُعدّ.لكنّه تحلّى بالصبر.وفي الآخر آتى أكله.فتح الله له مكّة وطار صيته إلى كلّ حدب وصوب في العالم. كأيّن من دعوته أثمرت ثمارها.لقد أسفر الناسَ عن الجنّة في غضون الهداية. كذا أقواما أنقذهم من معاقبة الله عزّ وجلّ. فليوفّقنا الله أن نحتشد معه في الجنّة.

محمد نبهان

طالب في كلية السيد فوكويا للآداب والعلوم الإسلامية

                                

إرسال تعليق

أحدث أقدم