رسالة إنسانية ضمن مناسك الحج

 
الحج من أهم العبادات التي تمتلئ برسائل المودة والتسامح 
حيث  يقودنا إلى الشعور بالمساواة والأخوة حتى يخرج الملايين من الحجاج إلى مكة منذ آلاف سنين ليحج ويعمر لله تلبية لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام.إن إبراهيم عليه السلام رمز للوحدة والمساواة حيث يحترمه إنه محترم من قبل المسلمين ومختلف الأديان بما في ذلك جميع الأديان السامية. وإن دعوة إبراهيم عليه السلام للحج لجميع الناس القادمين من كل فج عميق يشتمل رسائل إنسانية ويبرهن عبارات المودة والتسامح والأخوة التي يضمه دين الإسلام.تعيينه نبيا يقبله الجميع لدعوة من يأتون إلى بيت الله حتى يوم القيامة مزية تم إعطاءه من قبل الله تشريفا منه. علاوة على ذلك، إن الاسم القديم لمكة "بكة" تبرهن معنى يُشعر إلى مكان يجتمع الناس فيه،ومع ذلك، أن الله تعالى أراد أن يجتمع جميع الناس متحدين في الحرم بأن يجعله الكعبة في وسط الأرض.
 
فالحج يرينا أمثلة المساواة والتسامح والتكاتف، وهذا يظهر واضحًا كفلق النهار في اجتماع الناس للصلاة كاجتماعهم للحج حيث يقف الغني بجوار الفقير والعربي بجوار العجمي في صعيد واحد بثياب واحدة. يقول صاحب (الظلال) في تفسير آية ١٩٩ من سورة البقرة :"قِفُوا معهم حيث وَقَفوا، وانصرِفوا معهم حيث انصرَفوا، إنّ الإسلام لا يعرف نَسبًا، ولا يعرف طبقةً، إنّ الناس كلّهم أمة واحدة، سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، ولقد كلَّفهم الإسلام أن يتجرّدوا في الحج من كلّ ما يميزهم من الثياب، ليلتقوا في بيت الله إخوانًا متساوِين، فلا يتجرّدوا من الثياب ليتخايلوا بالأنساب. هكذا يقيم الإسلام سلوك المسلمين في الحج، على أساس من التصوّر الذي هدى البشرية إليه، أساس المساواة، وأساس الأمة الواحدة التي لا تفرقها طبقة، ولا يفرقها جنس، ولا تفرقها لغة، ولا تفرقها سمة من سمات الأرض جميعًا.وهكذا يردُّهم إلى استغفار الله من كلّ ما يخالف عن هذا التصوّر النظيف الرفيع".
 
     ومن الجدير بالذكر قوله تعالى في قرآنه المجيد "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" (الحج ٢٥) ، أي لا يمكن أن يظلم ولا يتميز حول بقعة مكة المكرمة فضلا عن الكعبة وإلا فيعذب به عذابا أليما لأن عدم العنصرية والطائفية سبيل إلى الوحدة والتضامن. وحينما يخرج المرء للحج فيصير ملتحقا لمن يأتون فيها من الأبيض والأسود والاشرف والأرذل، من أنحاء العالم ويطوف معهم بيت الله متكاتفين كدرر القلادة. وبالإضافة إلى ذلك، نستطيع أن نرى في التاريخ أشخاصا بارزة لهم ذكريات جميلة من الحج.
     
       إن تجربة 'مالكم إكس' أبرز مثال فيها لأنه قد حارب لتحرير أهل الحبشي في أمريكا بادعاء بأنه لا يمكن للحبشي أن يعيش بين غيرهم معا. والسبب الرئيسي لمدافعته وحربه ضد أمريكا هو ما واجهه من تمييز وهجمات عنصرية من قبلهم في فترة طفولته. لكن بعد إسلامه وحجه في عام ١٩٦٤م ، تغير نفسه تغييرا جذريا وأحس بشعور روحاني من الحج بأن يقتنع بما فيه من الوحدة الإنسانية والأخوة العالمية المجردة من الهجمات والاعتداءات. وبعده قال للعالم "لم أرى في أي مكان مثل هذه الوحدة والمساواة بلا تعصب وتمييز بين المجتمع".إن سر هذه الوحدة منبثق من وجهة أنهم عباد الله وأنهم متساوون أمامه. بل هذه هي الطريقة التي بتوصلون بها إلى الإخلاص النقي والإيمان التقي واجتناب المنكرات.
       
     عند دخول مسجد الحرام يرتدي الحجاج كلهم ملابسا واحدة بلا تفريق بين الأسود والأبيض ، فيطوفون ويعملون المناسك بمجرد لبس ملابس الإحرام ، لا ينظر أحد إلى أحد بعين الكبر والاستهزاء.وكل مناسك في الحج مشتملة على الوحدة مثل قولهم لفظ التلبية "لبيك اللهم لبيك"،لأنه يقول كل الحجاج والمعتمرين المنتمين إلى كل أنحاء العالم مع تباين لغاتهم وألفاظهم وأصواتهم. ويدل على أن اللغة أنسب دليل للانسجام حيث يبحث فيه كثيرا العلماء المادية. وكذلك الطواف والسعي أيضا أعمال مهمة تحوي رسالة الأخوة والتضامن لأنها تقضي على العنصرية والطائفية وجميع أفكار القمع والتسلط من تذكر واقعة هاجر رضي الله عنها وتحملها أمام الامتحانات.ونحن نستطيع أن نقرأ أحداثا وأقوالا مما يقدم المفكر السوفيتي الدكتور عبد الواحد بيدرسن الذي اعتنق الإسلام في عام ١٩٨٢م.
     
      وعندما نحلل كل عمل من أعمال الحج على هذا الوجه سنتوصل إلى نتيجة مدهشة بأن الحج ليس بمجرد عمل بل هو سياق عجيب يحتشد فيه المجتمع في ملابس واحدة ولغة واحدة وأغراض خالصة لا مثيل لها،ولذا يصبح الحج أسوة حسنة للوحدة والمساواة والانسجام.

خليل علي أكبر
طالب جامعة مدينة النور


إرسال تعليق

أحدث أقدم