الحضارة الإسلامية نموها وتدهورها

 


إن الحضارة الإسلامية هي مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية والأخلاقية،فكانت بدايتها ببعثة النبي المصطفى ممن ينتقل العرب بها من طور البداوة والقتال والتنحر والفرقة إلى طور الحضارة المدنية والترقية العلمية الاقتصادية العظيمة، فمن حيث أنّ العرب يسودون العالم لقرون طويلة وبنوا فيه من احتفال العمارة واستبحار الحضارة وتناهى الترف والثروة وازدادوا ببناء البلاد الإسلامى أمثلة تامة وأقيسة بعيدة في استبحار العمران وتطاول البنيان ورفاهة السكان وانتشار العلم والعرفان وتأثل الفنون المتهدلة الأفنان، وتمهر العرب في الطب وعلم الجغرافية والفلك وعلم النجوم وهلمّ جر على ذلك، ولا ثمة من ريب أن العرب قد انتمى بالازدهار والحضارة والترقية لكن بعد ذلك بدأت تدهور الحضارة الإسلامية، ومن حيث أن المسلمين بين الحياة والموت ولا التراث لهم ما قبلهم.
لقد ترترع الحضارة الإسلامية بنموها في أكناف المسلمين من العصر الذهبي الإسلامي من القرن السابع إلى القرن الرابع عشر فما بقيت قطر من أقطار العالم إلا وبلغت أرجاءها بالحضارة الإسلامية، وكيف لا تنمو وترتقي الحضارة بيد أن النبي المصطفى لأنه قد قام في يثرب بتشكيل الدولة وأرسى فيه معالم الدولة وآخى بين المهاجرين والأنصار وبنى المسجد النبوي ووضع الدستور الدولة من خلال صحيفة المدينة، ها هي منبع أساسي لبداية الحضارة الإسلامية وللتعايش السلمي، واستخلف بعده أبو بكر صديق،عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم لمدة ثلاثين سنة فساهموا في انتماء ازدهار الحضارة الإسلامية بتوسيع الدولة وبناء المدن العديدة مثل الكوفة والفسطاط وازدياد الفتوحات الإسلامية عبر البلدان قاصيا ودانيا، وأنّ عثمان بن عفان قد جمع كتاب الله الكريم ونشره من كل نواحي العالم الإسلامى،  
فأولائك الأمر أدوا دورا للانتماء بنطاق واسع، وكذلك أن الدولة الأموية قد نشأت في انتماء العلوم والفنون والشعر والأدب وعلم التاريخ وعلم الكيمياء وتدوين الحديث،فكان أمر عمر بن عبد العزيز عن شهاب الزهوري لتدوين الحديث ودوّنه في عهد الخلافة، وهكذا كان استبحار الموارد الاقتصادى العظيم في عهد الخلافة أن لا يوجد أحد من الفقراء والمساكين ليؤتي الزكاة إليهم، وكذاك أن عبد الرمن الداخلى فر إلى اسبين بخوف العباسين فاستقام الدولة الإسلامية وبايع له الناس من كل جوار اسبين والأندلس فانتشر الإسلام بسببه، ومن حيث نمت الحضارة الإسلامية الكاملة في بناء البنيان والبلدان والعلوم والعرفان، فوقع هناك المدائن مثل القرطبة  وشبلا وكذا عديد من البلدان.

 وأن الدولة العباسية لها حضارة بالغة بغاية نموها من خلال انتماء العمارة والعلوم والفنون وبناء المدن مثل بغداد وسامراء وصار بغداد في عصر العباسين بحرا زاخرا في العلوم والفنون.فكان كبار  العلماء المسلمين حاضرين هناك، فأراد إليه الناس من مشارق الأرض ومغاربها ومن شمالها وأيمانها ، وأسس الخليفة هارون رشيد بيت الحكمة وهي صارت أول جامعة في العالم سابقين بذلك أوربا بنحو قرنين من الزمن حتى لم يبق الإسلام خاليا من شتى أرجاء العالم إلا وغمرت وسويداء أكنافه بنفحات العلوم والحضارة الإسلامية،وكذا الفترة العثمانية صارت الحضارت فيها قدوة تحتذى وأسوة تتبع من تطورات البلدان وتأسيس الأبنئة والعمران وحتى لم يطأ الخليفة من خلفاء العثمانيين إلا وقد استعمروا الحضارة بترقية وزينة ومنهم محمد الفاتح فاتح القستنطينية وأنمى فيه تقاليد الدين السمحة الحنيفة وأرقى فيه أعلاما رفرافا بعد مدة طويلة وهجمات عديدة حتى كثرت فيه الحضارة الإسلامية.
إنّ من الحقائق الناصعة أن الحضارة بدايتها كزهرة تنبت ثم تتفتح ثم تتهالك، وأقرب لتشبيها ابن خلدون "ككائن حي يمر بمراحل الولادة والشباب والشيخوخة"، فكذلك مرت بها كل الحضارات، بداية من الفراعنة والسومرين ومرورا بالإغريق والرومان وانتهاء إلى الدولة العثمانية الإسلامية، فأن الحضارة الإسلامية تدهورت بعد تنميتها وترقيتها، وتدهور الحضارة الإسلامية لم يحدث حدوثا مفاجئا وليس وليد صدف دون مقدمات أو مؤشرات، وإنما كانت عملية بطيئة تجمعت عناصرها من خلال فترة طويلة، فاجتياح المغولي البغداد بقيادة هولاكو خان وسقوطها سنة ثمانية وخمسين ومائتي ألف، وهناك انهدام بيت الحكمة وإحراق الكتب القديمة وسيلها في النيل من أهم أسباب انهيار الثقافة وتدهور الحضارة الإسلامية، وأن التدهور هي نتيجة لأسباب متنوعة عاشتها الأمة الإسلامية - ترف عيش الخلفاء، مشكلة توظيف المحلي، قضية التخلف، والكواريث الطبيعية، والحرب والهجمات، والمجاعات والأوبئات، والافتقار السكاني والهجرة الجتماعية من أهم الأسباب لتدهور الحضارة الإسلامية. ولله در القائل من قال صدق " إذا كان المرء لا يدري إلى أي ميناء يريد أن يذهب فان كل ريح تهب عليه لا تناسبه".



إرشاد رضا










إرسال تعليق

أحدث أقدم