عيد الأضحى ذكرى القرابة والتفدية



ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد شرع للأمة المسلمة العبادات، وجعل عليهم أداءها واجبا جانبا لطاعته وخضوعه، إلا أنه أتاح لهم مناسبات يفرحون ويبتهجون بها في حدود ضوابط الشرع، ملتزمين بالقواعد التي وضعه الله من أجل الاحتفال والابتهال، ومن أروع الأعياد التي أجاز الله للأمة الإسلامية العيدين ، عيدي الفطر والأضحى.فإن عيد الفطر هي جائزة الله تعالى لعباده من أجل صيامٍ شهرٍ كامل في شهر رمضان، في حين أن عيد الأضحى هي متعقبة لفريضة الحج ومناسكها في شهر ذي الحجة ومع ذلك يضم فيها ذكرى أسرة إبراهيم عليه السلام وثباتهم أمام الامتحانات الإلهية وتضحياتهم أمام التقدير الإلهي ، فعلى هذا المنوال، العيد حقٌ المؤمن ليفرح ويبتهل فيه حصيلة لسعيه المتواصل من الحج والأضحية وصيام عرفة والعبادات الأخرى راجيا رضا ربه مؤمنا به ومحتسبا أجره العظيم التي وعد الله عباده المتقين.

أما المؤمن فيستقبل أعياده ببابغ الفرح والسرور بعد انتظار حلولها بفارغ الصبر والفضول، لأنها أيام البهجة والزينة وأوان المرح والسرور.فأما العيد بصبغته الروحية هو إعلان كامل لما تلقينا وحصلنا من التصفية القلبية والتفدية النفسية من العبادات والمناسك ،وعنصر هام من أجل تكوين الأساس لحياتنا إلى الأزمنة المقبلة. وأيضا إعلان لأجل الإبعاد ما أحاطت قلوبنا من الحرص والحسد والأغراض المودعة وهلم جرا.ولا بد أن يكون احتفاله في أطر حدده الله تعالى بدون تخطي حدوده ودهس أوامره وتضييع التصفية الروحية التي تلقينا ومارسنا طوال هذه الفترة.

مناسك عيد الأضحى

وقد شرع الإسلام في عيد الأضحى مجموعة من الشعائر الفردية والجماعية ليؤديها المسلمون فيه حيثما كانوا، ومن أبرز هذه الشعائر التكبير يُشرع التكبير في البيوت والمساجد عقب الصلوات وفي الأسواق وغيرها من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق لقوله تعالى "واذكروا الله في أيام معدودات". ومن أشهر صِيغ التكبير في العيد "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".

 ومما لايخفى على أحد أن عيد الأضحى هو ذكرى تفدية أسرة عريقة قلما نجد مثيلها على مر الأزمان، إنه ذكرى الأسرة الإبراهيمية التي ظلوا فداء لربهم أمام الامتحانات والتحديات العصيبة التي تصدوا لها في حياتهم الدعوية،ومن أبرز أمثال المناسك التي تتضمن ذكرى الأسرة الإبراهيمية الأضحية، بحيث تتعلق بسيرة إسماعيل عليه السلام حيث قام أبوه خليل الله إبراهيم عليه السلام لتضحية روحه ملبيا أمر الله الجلي لأجل أن يقوم بذبح ابنه المرزوق بعد انتظار أعوام بفارغ الصبر.

وكعبادة مهمة، تجدر الأضحية أهمية بالغة في عيد الأضحى حيث ينسب اسمها إلى اسم العيد.والأضحية سنة مؤكدة لمن يريدها من المسلمين،وهي يجزئ في الإبل والبقر والغنم منفردا أو مشتركا فيها، ويلزم المضحي أن يتصدق بها على الفقراء بعد أخذ ثلثها لإطعام 
أهل بيته.

لمحات إلى الاحتفالات المعاصرة

وما هي أحوال الاحتفالات والأعياد في عصر الراهن ؟ إذا أمعننا أنظارنا نجد بأنها قد أصبحت مسرح الفضائح والفوضى من انتهاك حدودها بإتيان ما يطفأ التصفية الروحية وما لا يرضي الخالق .وأما الاحتفالات الإسلامية فتتميز بسماتها من الخضوع والخنوع حيث لا يتم تبرير عيد ولا احتفال بدون إطاعة الله سبحانه وتعالى وتضرعه. ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفيات احتفال وأسالييه ولم يفرط فيها من شيئ، وقد ورد عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر".

وهناك أيضا تصريحات عديدة تعود لأصحاب القلوب الصافية وأرباب السريرة الزكية حيث ذهب
الإمام المشهور من العلماء التابعيين حسن البصري إلى أن العيد يطلق على يوم لم يأت فيه بالمعاصي ولا يسمى به غيره ومن الأئمة من قال بأنه يوم تلقى فيه خبر دخول الجنة .

فأما العيد فروحه الإمساك والتزام الحدود في يومه وليلته بعدم ارتكاب ما لا يليق شرائع الإسلامية التي شرعها الخالق،وبهذا الصدد إن العيد يعتبر احتفالا يقوم في إطار الشريعة الإسلامية حيث يمنح العناية والاعتبار لكلا الجوانب المادية والروحية معا بمقياس متساوية.

ولما يتم نظر العيد بأن يومه كله عبادة, يحتل صلاته مكان النية وعلى منوال ذلك يعد العيد الذي أجاز الله لعباده حضارة مشتملة بمناسك شتى من تأدية الصلوات وزيارة الأخلاء والأقارب والجيران وضيافتهم , فأما عيد المؤمن احتفاله وابتهاله فيه يعتبر كصلاته التي مودع فيها خضوعه وخشوعه.

إن ليلة العيد فرصة سانحة لأجل الاقتراب إلى الخالق من خلال العبادات والدعاء. وإن إمام مذهبنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله عد خمسة من اليالي مستوجبة للدعاء، وتم عد ليالي العيدين ضمن هذه الليالي مع بالغ الأهمية حتى روى ابن ماجة رحمه الله عن أبي أمامة رضي الله عنه بهذا المعنى " من قام ليلة العيدين محتسبا الأجر من الله يصبح قلبه حيويا عندما يموت القلوب"

لما يذيع صيت العيد كونه يوم الاحتفال والأطعمة والثياب الجدد والأخوة ويوم الفرح والزينة وسائر الترفيهات الجائزة يجدر بنا البحث والتحري عن دور الروحية أيضا في لحظات هذه الأفراح, ومن الحري بالذكر أن عيد المؤمن حينما يتعلق بالعمليات المادية يجب أن يتم منح الاعتبار للروحية أيضا, بحيث يتميز العيد من سائر الاحتفالات بعين الروحية التي يتواجد فيه من زيارة أهل القبور وديار المسلمين وتعزيز علاقة الأخوة والصداقة وتركيز الانتباه في تبرع الأموال والتصدق للمحتاجين والمفتقرين ودعاء لأجل المضطهدين في أنحاء العالم من إخوة المسلمين. 

إن الاسلام - الدين السلم والسلامة والأمن والعافية - لم يمنع ولم يقم بمنع احتفال لا يسيء معاير الشريعة الإسلامية للاحتفال، ولا ينطلق بها إلى ظلال الشك والريب من اختلاط ما لا يليقه ضمن احتفاله، بل يمنح الحث والتحريض لاحتفالات في إطار الإسلامية مادية أو روحية معا بمقياس متساوية.


محمد فائز أن.أم
طالب جامعة عين الهدى الإسلامية كاباد


إرسال تعليق

أحدث أقدم