الإساءة النبوية بين الأرقام المعلنة والأهداف المستورة


إن مما لا يخفى على أحد بأن إساءة النبي من الخطط المخفية التي غالبا ما يستخدمها أعداء الأمة المسلمة كأداة، لأجل النيل من الإسلام وتدمير سمعته وتشويه الشخصية المعنوية لنبيه على الصعيد العالمي، وقد أثارت الانتقادات والإساءات الموجهة ضد النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجات عارمة ومظاهرات طاحنة في أوساط المسلمين بأنحاء العالم في كل الأوان والأزمان، لأن كل من يؤمن بالإسلام بغض النظر عن معتقداتهم لا يمكن أن يتحلى بالصمت والإعراض حينما يتم إهانة رسولهم بين الجماهير ،كما رأينا الإدانات الشديدة من قبل الدول المسلمة  إثر تصريح مسيئ للنبي من قبل الحزب الشعب الهندي المتطرف في الهند.وفي هذه الآونة قد مست الحاجة إلى إدراك أرومة إساءة النبي (ص) واستيعاب وإدراك المواقف التي اتخدت الأمة المسلمة تجاه من يقوم بانتقاد النبي (ص) بصور بشيعة وأشكال شنيعة . 

 الإساءة النبوية في العهد الإسلامي

ومن الحقيقة التي لا يشوبها شك ،أن الإساءة النبوية التي لا تزال يستعملها ناقدو الإسلام لتشويه سمعة النبي صلى الله عليه وسلم على الصعيد العالمي، لم تكن وليدة اللحظة بل تضرب جذورها إلى العهد الذي قام النبي صلى الله عليه وسلم باستهلال  دعوته الشريفة، حيث واجه انتقادات واتهامات لاذعة وتعرض لإساءات متنوعة ممن أحبه ولكن لم يكترث لها ولم يهتم بما يأتيه من قبلهم بل تعامل معهم بحلم وأناة،حيث أنها يذكرنا قوله عن نفسه "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

 ومن الجدير بالذكر هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذا شأن وشعبية عظيمة في قومه منذ صباه، ولكن تحولت هذه الشعبية إلى عداء  شديد من قريش بعد جهره بالدعوة، ،وهذا الأمر نشاهد في حياته الدعوية لما جمع طوائف قريش تحت جبل صفاء وخاطبهم بلسان النبوة،حيث تعرض لإهانة شنيعة من عمه أبي لهب، ولم يخل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الإساءات عند قدومه إلى المدينة بل تصدى لاتهامات ومهاجمات بشيعة من قبل اليهود، حيث انتقده واتهمه اليهود  بأنه قد اقتبس شرائع الإسلام من التوراة بعد أن أسس علاقات ودية لورقة بن نوفل لأجل أن يطلع على شؤونهم وطقوسهم الدينية. 


جذور  الإساءة النبوية في  أوربا 

تضرب جذور الإساءة النبوية في أوربا،  إلى ما قبل القرون الوسطى،فأول محاولة للإساءة من قبل الراهب المدعو يوحنا الدمشقي (676 - 749) (John of Damascus)،فهو يعتبر أول من كتب كتابا ضد  الرسول (ص) والإسلام.ومن الجدير بالذكر أنه قد كان والده مسيحيا ذا نفوذ كبير عند الأمويين حيث كان يعمل في  في الوزارة المالية الأموية في عهد عبد الملك بن مروان ،وبعد وفاة والده تولى يوحنا منصب والده في خزانة الدولة، وخلال هذه الفترة  أصدر  البطريك في كنيسة القسطنطينية مرسوما يمنع المسيحيين من تقديس صورة المسيح وأمه مريم (ر) ، وهذه الأفكار لم تعجب يوحنا الدمشقي، وقد بدأ بكتابة رسائل ضد هذا المرسوم، فقام الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث Leo III بتقديم شكوى للخليفة الأموي بدعوى أن الدمشقي يحرض على ثورة ضد الإمبراطورية البيزنطية، فقام الخليفة بعزله وقام أيضا بقطع يده اليمنى ، فقد أدت هذه الحادثة إلى حقد الدمشقي على الإسلام حيث بدأ بكتابة سلسلة من الكتب ومنها كتابه المشهور ب' De Haeresbius' ، يهاجم فيها الرسول شخصيا ويصف الرسول فيها أنه استغل دينه  لمصالحه الشخصية وأيضا ادعى فيها بأن الراهب بحيرى الذي لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الشام، قام بمساعدة الرسول في كتابة القرآن، كما اتهم الرسول أنه قام بترجمة بعض كتابات الإنجبل لورقة بن نوفل بمساعدته إلى العربية.

ومما يرتاب فيه اثنان أن أعداء الأمة لم يتخلوا عن انتقاد الإسلام ونبيه في القرون الوسطى.ومن أبرز من كتب كتابات مسيئة إلى الرسول في هذه الفترة المصلح البروتسنتاني مارتن لوثر (1483-1564) Martin Luther  حيث كتب "إن محمد هو الشيطان وهو أول أبناء إبليس" ولم يكتف بذلك بل زعم أيضا أن الرسول كان مصابا بمرض الصرع وكانت الأصوات التي يسمعها كأنها وحي، جزءا من مرضه.

مظاهر إساءة النبي في الأندلس..المحاولات المنتظمة من قبل الرهبان  

ومما لا يشوب فيه شك أنه جرت في فترة الإسلامية في الأندلس محاولات منظمة مدعومة من قبل الكنائس لأجل إساءة النبي،ولعل الكثير من المنظمات المسيحية المتطرفة المنتشرة  اليوم بأوربا قد تكون تستمدّ من الحركات اليمينية التي نشأت ببلاد الأندلس في ذلك الوقت.ومن أبرز ما ظهر من المنظمات المسيحية المتطرفة بهدف الانتقاد والإساءة للنبي في الأندلس 'حركة الشهداء المتطوعين' التي ظهرت في القرن التاسع الميلادي. والغاية الرئيسية وراء ظهور هذه الحركة المتطرفة  تصدي للتفشي الثقافة العربية بين المجتمعات المسيحية بالأندلس.
ومن الجدير بالذكر هنا أنه كان من قادة تلك الحركة المسيحية المتطرفة القسّ يولوخيو القرطبي (Eulogius of Córdoba) ، وقد دعمه في هذه المحاولة الشنيعة بتأليف الكتب المسيئة للإسلام وتحريض الشبان المسيحي لإساءة سمعة الإسلام والنبي،الأسقف ألفارو القرطبي (Alvaro de córdoba المتوفى 240هـ/854م).ولكن جهودهما لمنع الشباب المسيحي عن تعلم الثقافة الإسلامية باءت بالفشل حتى أصبحت مضطرين لاختيار طريق مهاجمة الإسلام بشكل مباشر، فأسسوا المنظمة المعروفة لاحقا بـ"حركة الشهداء"، فبدأوا يحرضون الشباب المسيحي ضد الإسلام ويسبّون نبيه محمدا (ص) في الأمكنة العامة وفي المساجد والساحات.

ومن الحقيقة التي لا تجحد أن أول "شهيد" من أعضاء "حركة شهداء قرطبة" كان راهبا ،لقد تم القبض عليه على أنه كان يسب الإسلام ويصف نبيَّهُ بالجنون وأقبح الصفات،فأعدم يوم عيد الفطر سنة 235هـ/850م. ويروى أنه كان ضمن "الشهداء" رجل دين مسيحي يُسمَّى "إسحق"، ينتمي إلى عائلة مسيحية نبيلة وكان يتحدث اللغة العربية بطلاقة حتى أهَّله لتولي منصب "كاتب" لدى سلطات قرطبة. فقد جاء ذات يوم "إسحق" هذا إلى القاضي معلنا إسلامه، فلما طلب منه القاضي أن ينطق الشهادتين أطلق وابلا من الشتم على النبي محمد ﷺ وسبَّ الإسلام سباًّ بشيعا.حسب الرواية عن محاكمته، أن القاضي تردد في الحكم على أن الرجل قد يكون مصابا بمرض عقلي ولكنه أصرَّ على الشتم والإساءة للإسلام مما دفع بالقاضي مُكْرَهاً إلى الحكم عليه.

ومما لا يرتاب فيه أن هذه الحركة  لم تحالفها النجاح من أجل شدة ارتباط المسيحيين الأندلسيين بالدولة  الأموية والثقافة الإسلامية، وقد أدانوا المحاولات التعصبية التي تبث بذور الفتنة الطائفية والفوضى الدينية والاجتماعية ويحاول الاستشهاد بطريق الاشتباك والتحدي على اسم الديانة المسيحية،وكل هذه الانتقادات والإساءة كانت متولدة من الذعر عن ترعرع الإسلام في تربة الأندلس.

السلطان عبد الحميد ومجهوداته لسد مظاهر الإساءة النبوية

ومن المعترف أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ممن قاوم لمن قاموا ببذل قصارى جهودهم لإثارة المسلمين عبر إساءة الرسول،وقد اتخذ مواقفا قوية وحازمة لمن يتمادى في إساءة الشخصية المعنوية للنبي(ص) عبر عرض  المسرحيات المسيئة للرسول،وفي عام 1890م تداول خبر  بأنه يتم عرض مسرحية مسيئة للنبي في مسارح الفرنسية،ولما سمع السلطان هذا الخبر لم يتأخر لإعلان موقفه حيث أرسل رسالة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية سادي كارنوت. ولم يكتف بذلك بل قام عبد الحميد الثاني بتوجيه تحذير شديد عن طريق السفير الفرنسي في إسطنبول حتى وصل الأمر إلى التهديد بقطع العلاقات الفرنسية العثمانية في حالة ما إذا سمح بعرض المسرحية في فرنسا.

وبالفعل كانت نتيجة هذه التحذيرات الجدية أن تم التراجع عن عرض المسرحية، غير أن المؤلف كان مصرّا على عرضها فتوجه إلى إلى إنجلترا، والتمس عرضها هناك معتقدا أن ضغوط عبد الحميد لن تجدي نفعا هناك. بيد أن جهود عبد الحميد نجحت في إلغاء عرض المسرحية. 

كان السّلطان عبد الحميد الثاني متوقد الإيمان شديد الغيرة على كل ما يتعلق بالإسلام ورجال الإسلام وتاريخ الإسلام. وكان عندما بسمع أنباء عرض المسرحية المسيئة للإسلام ورجال الإسلام، كانت ردود أفعاله كأنما تلقى خبرًا بتحرّك الأسطول العدو في مياه المضيق، ونتيجة جهوده سادت حساسية كبيرة في كافة الدول الأوروبية بخصوص اختيار المسرحيات، بحيث لا تحتوي على إساءات للإسلام والمسلمين. ونقلت الصحافة الأوروبية ضرورة مراعاة مشاعر المسلمين وضرورة احترام عقيدتهم في ما يعرض من أعمال فنية وأدبية.  

أساليب الإساءة المستجدة في العصر الراهن

ومن الحقيقة التي لا يشوبها أدنى شك أنه قد تشكل بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 موجة منظمة للإساءة والانتقاد إلى شخصية الرسول محمد (ص) حتى باتت موجة الإساءة عارمة على المستوي العالمي،كما رأينا في حادثة الدنماركية التي أصدر كارتونا تسيئ النبي (ص) سنة 2006م،وقد  ألفچ الأوربيون وغير الأوربيون بمن فيهم من يحمل اسم المسلم مثل سلمان رشدي كتبا تنتقد وتسيئ إلى شخصية النبي (ص) حيث توجه فيها صواريخ الافتراءات والتهم التي لا أصل لها إلى النبي (ص) بصورة بشيعة.
وبالجملة عندما نهتم بهذه القضية يظهر لنا ان هذه الافتراءات مجرد محاولة لأجل تسليم وجههم أمام انتشار  الإسلام على الصعيد العالمي، فمن حاجة الوقت أن يتم تشكيل قانون عالمي يمكن من خلاله تطبيق عقاب كاف على المسيئين إلى الشخصيات الدينية والرموز الاعتقادية بأشد العقاب.

فائز أضيتل
طالب بجامعة عين الهدى كاباد 

إرسال تعليق

أحدث أقدم