«وثائقي بي بي سي» كابوس جديد يؤرق حكومة مودي

 

  حزب المؤتمر الوطني (الكونغرس)، هو الذي بنى أساسًا ديمقراطيًا قويًا مبنيًّا على العلمانية في بلاد الهند. واحتضنت الحكومة ذاتها سياسات وإجراءات  مرموقة تساعد في وضع أسس مجتمع قوامه الوئام الديني والطائفي. لكن السياسات المعلنة لحزب الشعب الهندي (BJP) و آر.أس.أس (هي قوات مسلحة تطوعيَّة هندوسية متطرِّفة) ترمي إلى مجرد نشر الشناءة وبذور الكراهية في البلاد عن طريق استئصال التعددية والعلمانية 

فبدورها كان ظهور الإبادة الجماعية ضد الأقلية المسلمة في ولاية كجرات بموجب الخطوط والتصاميم المعجلة بواسطة سنك فاروار. ولو كان ماء البحر مدادا للقلم الذي تكتب به خطايا بشأن حرق الإخوة المسلمين المستضعفين لنفد ماء البحر قبل أن تنفد.

تلك الأيام التي كانت فيها قوات آر.أس.أس تتعارض مع الأقلية في مواجهة القانون والعدالة هي فصل مظلم في التاريخ الهندي. لكن الآن بعد عقدين من الزمان، لم تنته قصة آلاف الإخوة المسلمين في أرض كجرات، حتى لا تزال تقض مضاجعهم بكرة وعشيًّا. على حين أن الصورة التي يحاول مودي وأميت شاه بناءها من خلال صرف ملايين الدولارات، لتطاردنهم كل مرة بغض النظر عن الوقت الذي يستغرقه ذلك. لأن هذه كلها حقائق تاريخية صرفة. يجب أن تعرفها أجيالنا القادمة.

ثم القتل الوحشي لرجال الأسرة والاغتصاب الجماعي للنساء بدافع الكراهية والاحتقار في كجرات، كلها لا تضاهي إلا بألمانيا هتلر. كما تعرضت فتاة تسمى بيلكيس بانو للاغتصاب الوحشي 22 مرة من قبل سانغ فاروار، وذلك بعد أن انتزعوا طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات ورموا به على الصخرة. بل – أسفًا -دعمت الحكومة مع المجرمين بتخفيف الإجراءات اللازمة واستخراج رخص أحد عشر متهماً متورطًا في هذه القضية واستقبالهم بهتافات ترحيبية. هكذا أطلق المشاغبون عنانهم في شوارع ولاية كجرات من خلال ارتكاب مثل هذه الفظائع التي جمدت الضمير البشري. حيث قدمت الحكومة - التي من المفترض أن تحافظ على العدالة والقانون - الدعم الواجب لمثيري الشغب.

كان رجال شرطة ولاية كجرات هم الذين كشفوا عن الإخوة المسلمين المستضعفين ريثما كانوا يختبئون في المجاري أمام المشاغبين خوفًا من مثيري الشغب الهاتفين بالقتل. حتى قاموا بتغطية البالوعة بألواح ووضعوا فوقها حجارة ثقيلة التي أودت عن رحيل ثمانية أشخاص هناك آنذاك.

إن سياسة الكراهية التي روج لها سانغ باريفار هي التي أدت إلى فظائع لا مثيل لها في تاريخ الهند المستقلة، مع أنهم يحكمون البلاد اليوم. لقد أصبح من الصعب على الجيل القادم أن يتحمل تاريخ الإبادة الجماعية. فمن الطبيعي أن يقلق حزب بهاراتيا جاناتا ، الذي يحكم البلاد عن طريق تشويه وتزوير التاريخ وتضليل الأجيال ، بشأن معرفة العالم تاريخ الإبادة الجماعية في كجرات التي أوقدوا زنادها. وظهرت الحقيقة في قضية كجرات من خلال البي بي سي لأنها لا تستطيع أن تفعل لوسائل الإعلام الأجنبية ما فعلته بوسائل الإعلام الهندية إغراء وتخويفا.

 مما لا يساوره شك أن تاريخ هذا البلد حتى الآن كتاب مفتوح، فإذا تم محو الإبادة الجماعية في كجرات منه، سيكون ذلك التاريخ غير مكتمل. لا يتمكن أبدا لمودي وأميت شاه من دحض انتقادات رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي بأن الوطنية لم يتم تطبيقها خلال أعمال الشغب في كجرات؟ فلماذا تثير استنفارا عندما يوصف تاريخك الماضي في فيلم وثائقي عبر قناة بي بي سي حيث عطلت النظام القانوني بأكمله وبدأت في إبادة الأقليات؟

الفيلم الوثائقي الذي أصدره بي بي سي ليرسم صورة واضحة للإبادة الجماعية في كجرات. فكانت الخطوط متوقعة قبل كل شيء من قبل سانغ فاروار للعنف الناجم عن الإبادة الجماعية في كجرات عام 2002م، ويؤيد حريق قطار غودهرا (بلدية بكجرات)جزءًا منه. هذه كلها حقائق تاريخية بغض النظر عن مدى تبييضها ، ستظهرن الواقعية يومًا ما.  ويتناول الفيلم الوثائقي المذكور الصيد الجائر الذي حدث في ولاية كجرات خلال فترة ولاية  ناريندرا مودي كحاكم لها آنذاك. حتى تمرد أهل سنك فاروار حذو الفيلم الوثائقي بسبب الخوف من تذكر تلك الذكريات التي لا تنسى. مهما يكن من أمر، سيعرض الكونجرس فيلمًا وثائقيًا لهيئة الإذاعة البريطانية الذي يرسم صورة حية للإبادة الجماعية في كجرات في جميع أنحاء الولاية ، التي حظرها ناريندرا مودي وإدارة حزب بهاراتيا جاناتا وسانغ بريفار. لقد بدأه الكونجرس.

لا ينبغي اعتبار الفيلم الوثائقي معاديًا للوطن لمجرد نشره من قبل وسائل الإعلام الأجنبية، فإن القيمة الأساسية لأخلاقيات الإعلام هي الإنسانية، ولا تهمها حدود الدول . على كل، ليس من الإمكان إزالة بقعة دم الإبادة الجماعية في كجرات بغض النظر عن عدد "الأشياء النظيفة" التي يتم الحصول عليها باستخدام مقاليد الحكم لإلغاء تقارير التحقيق.

وأخيرا ليس آخرا، هناك مبدأ دستوري واحد يجب ألا ينساه ناريندرا مودي أثناء محاولته تدمير حرية الإعلام، حرية وسائل الإعلام في الهند ليست متجذرة في حرية وسائل الإعلام للقيام بالصحافة فحسب، ولكن أيضًا في حق الناس في معرفة الواقع. فإن سيادة الشعب تقابل التحديات عندما يتم انتهاك تلك الحرية. 

محمد جسير 
باحث في جامعة دار الهدى الإسلامية


إرسال تعليق

أحدث أقدم