ابتعاد عن كون الخطايا واقتراب من رب البرايا


 شتّان ما بين يومٍ لم نبصره بأعيننا بل سمعنا عنه بآذاننا خلال المحاضرات التاريخية و قرأنا حوله عبر مؤلفات لا عد ولا حصر لها, وبين يوم لا زلنا نعيش فيه حاليا شاهدين لعديد من المناظر
والمظاهر التي كثيرا ما توجد فيها الشرور المضلّة ضمائرَ الإنسا ن عن طريقة الإسلام السويّة.
وكم من دهور مضت والإنسان فيها دأب على الأعمال البشعة، وكم من عصور تولت مدبرة وآرائه
فيها صارت مخطئة . ولمّ ا لا برح من يسكنون على الأرض غارقين في بركة الزلل والفشل، أراد
الله تقدست أسمائه, أن يبعث إليهم رسولا ينجيهم من تلك البركة إلى ساحلها الكثيف برمال الخير
والحسن. ألا.. إنّ هذا الرسول لأنفق قصارى جهده ليرشد من زلت قدمه إلى لجّة المعاصي، بجدّ
واستعداد وهمّة لم تر الكلل والملل. وعرّف الله هذا الرسول في كتابه المحكم بأنّه رحمة للعالمين.
فالرحمة النبوية لمّا أشعر بها الصحابة رضوان الله عليهم أيّما إشعار، زالت سدول الظلام التي
أرخِيت على ضمائرهم الكثيفة بالجهالة والضلالة والبربرية والهمجية، واكتست دخائلهم كسوة
الضياء والنور والصلاح والخير. والسبب الوحيد لتخلصهم من عباب الآثام والجرائم، إنما هي
نصائح هذا الرسول التي دفعتهم إلى أن انصرفوا عن المآثم وأقبلوا على المصالح

فهذه النصائح النبوية التي تجعل الانسان في القرب من ربه، لم يكد فيضانها يتوقف خالدا و لا
ينبوعها يتجفف دائما. بل منابعها تسيل أبدا بدون توقف سيلانا يبلّ جميع حبوب التراب في الكون
رحمةً ورئفةً لنوع البشر، وتمتلئ بالفيوض الربانية والنعم الإلهية امتلاء لانهائيا. فكيف يخطأ الأنام
في دربهم إذا كان انثيال منابع الرسالة والنصيحة النبوية التي تفرق الحق والباطل مستمرّا في هذا
الحين نفسه؟. وكيف سقوطهم في الهُوى السحيقة المليئة أجوافُها بالجرائم والفجور، حينما ترفرف
فوق هاماتهم حمائم تبث شذرات مكارم الأخلاق من التاريخ النبوي؟. وأما الواقع الذي ما برحنا
نحسّ به فهو أنّ البشر في العصر الراهن لضَاقت أمامه الأرض الرحيبة بم ا كسبت أيديه وما
جرت عليه أقدامه من الممارسات الشنيعة والمزاولات الدميمة
.
أمثال هذه الأمور أزاحت الإنسان من الدائرة الإلٰهية المعصومة بجيوش الله، إلى هاوية سيطر
عليها شياطين الإنس والجنّ الذين يحاولون في الليل و النهار، لسدّ سبل تفرّ جت على الورى للوصال
إلى خالقهم. وكلما خطرت في بال البشر عاطفة للاقتراب من ربه وطرأ عليه شعور بالابتعاد عن
صبابته، حال الشيطان بينه وبي ن شعوره الصالح وهو يعرض الرذيلة والذميمة معرض الفضيلة
والمديحة. فمن الأمر الحتميّ أن يأخذ الانسان بعين الاعتبار الآية القرآنية التي تأشّر إلى لزوم
التنائي عن السلوك في مسلك الشيطان، حيث يقول الله بصراحة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ". وفي تحليل مقاصد هذا
النصّ القرآني، يعبر محمد بن جرير الطبري خلال تفسيره، عما في ضميره متحدثا بأنّ الله -تعالى
ذكره- يقول للمؤمنين به، يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ولا تسلكوا سبيل الشيطان وطرقه، ولا
تقتفوا آثاره، بإشاعتكم الفاحشة في الذين آمنوا وإذاعتها فيه م. فإنّ الشيطان يأمر بالفحشاء.

وعندما نُمرّ مُقلتَنا خلال ألفاظ تبدو في آية مبحوث عنها متفكرين عن مفاهيمها، سنتمكن       
استكشاف أجوبة صائبة لأسئلة سالفة، إذ إنّ خميلات الألفاظ في الآية نفسها تحتفظ بمعان غير
محصورة. فالسؤال الذي واجهَنا هو "كيف يبتعد البرية عن الباري -جلّ شأنه- ويركب المعاصيَ
والذنوب وإنّ ينابيع رسالة النبي )ص( وتعليماته ومعينَها لم تكن على وشك الجفاف واليباس" .
والسبب الفذ وراء ذلك وقوع الناس في فخّ الشيطان الهال ك وتتبّعهم خطواته التي ليست قيادتها إلا
إلى الجحيم. والتخلص من هذه الحالة الخطرة يعتمد على أن نقترب من الله الخالق وأن نتمسك بسنّة
النبي )ص(، ما دامت نبضة قلوبنا تبقي على سطح هذه الأرض، وعلى ألا نجعل الشياطين أولياء
في أمورنا، ما لم نرتحل إلى جانب الذي يُربّينا. ومتى نتخذ الشيطان ناصرا في ما نرمي إليه،
فنشرع في الاعتزال عن مسار المهتدين وممرّ الصالحين. ومن جراء ذلك صرّح الله في كلامه
المتين بأن لا تدخلوا في مدخل الشيطان، حيث قال: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُّبِين. فحسبما تنتهي المواعد مع الشيطان وتنعدم المصاحبة بالأرض التي تجري إلى الفناء، تتبرعم
أزهار فكرة إلٰهية وتُزهر شجرات الرغبة في القربى من الله.
فلندع الله للتوفيق في المصاحبة معه والمفارقة من الشيطان الرجيم بسبب أفضل البشر والمطرود 
لأجل عناده وكبريائه. آمين

 محمد مبشر بن محيي الدين
 باحث تحت تنسيق الكليات

 

 

 
 

 


 


 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم