المدينة النبوية لها شرف عظيم وفخر كبير على سائر المدن العالمية بأنها تحتضن الجسم الشريف لخير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم . ومنها ينتشر نور الهدى إلى شتى بقاع العالم ومختلف زواياه . ومن له أدنى محبة بالنبي المختار صلى الله عليه وسلم يضطرب قلبه ويرتعش فؤاده عند سماع اسم هذا المكان والمستريح فيه ويشتاق قربه إليه . وليست المدينة مجرد بلدة كسائر المدن في العالم بل شرفها الله وعظمها وجعلها من خير البقاع في العالم . وجعلها حرما آمنا كما جعل مكة حرما آمنا . وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة . وبالإضافة إلى ذلك قد اندرس اسمها القديم « یثرب » و عرفت باسم النبي صلى عليه وسلم بعد قدومه صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة مع أصحابه بعد تحمل مشقات صعاب وآلام شداد من أيادي المشركين والكفار . ولكن رحب بهم أهل يثرب واستقبلهم استقبالا حارا بمد الأيادي البيضاء والوجوه الغراء بالدفوف والأبيات , طلع البدر علينا .... » وأكرمهم ونصرهم بالإتاحة لهم مما يحتاجون إليه من الأراضي والبيوت والأزواج والأموال حتى صار أهل المدينة أنسب باسم الأنصار .
وبهذا الإكرام قد تحولت أحوال المدينة من كل رذيلة إلى كل فضيلة وانقلبت رأسا أحاط التعاون وقادهم التراحم والتحابب وأغرب منهم العنف والخوف وأبعد عنهم الضرب والرعب . وكون النبي صلى الله عليه على كل عقب . حتى والتضامن وسلم بخليقته الحميدة دولة تقتدى بها ومجتمعا يتبع . وأصبحت هذه التربة الطاهرة مشهورة للوقائع المحمودة برئاسة الحبيب صلى الله عليه وسلم .وبعد انتقال النبي إلى جوار المحبوب قد سعدت هذه المدينة بحمل جسده الطاهر المبارك ، ولذلك صارت تلك التربة مشرفة بأطيب الطيب في العالم . وتلك البقعة أفضل بقعة من بقاع العالم كما قال أنس رضي الله عنه ما شممت عنبرا ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكما قال الحبيب ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة . وهذا الشم يهب إلى قلوب المحبين والعاشقين الذين كشف لهم الغطاء بأقصى غاية حبهم للنبي واتباعهم بسنته . وعلى المسلمين أن يتفكروا في كل ساعة هذا الأمر المهم ، هو سؤال أليس في قلوبنا محبة وثيقة ومودة وطيدة لسيد الكونين ؟ والسمة الظاهرة على ذلك رجفة الفؤاد واضطراب القلوب عند استماع اسم هذا الموضع واسم ساكنه وتدمع العيون وسهر الأجفان عند النظر إلى صورة القبة الخضراء وما حولها . وإن لم يكن هكذا فلا يكون مؤمنا حقيقيا . ولا غبار في مصداق قول النبي إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها . ومعنى الحديث إن الايمان يتوجه إليها ويكون فيها ويؤمها المؤمنون ويقصدونها كرات بعد مرات بدافع الإيمان والمحبة من قلوبهم . ولذلك يحب الصالحون هذا الصعيد الطيب ويعظمونه ويضمونه إلى أعماق قلوبهم ويذكرون صاحبه من الغداء إلى الرواح . فصارت المدينة جزء لا يتجزء في حياتهم وفجر علامات المحبة من صميم قلوبهم . أمامنا أمثلة كثيرة من السالفين والخالفين لا تحصى الا بكلفة.
للإشارة فقط هاهي ذا إمام دار الهجرة رضي الله عنه لم يطأ بالنعل مالك بن أنس البتة في تربة المدينة وكان يقول : أستحيي أن صلی الله عليه أطأ في تربة فيها رسول وسلم بحافل الدابة .... ما أحسن سطر البوصيري وما أعذبه
لا طيب يعدل تربا ضم أعظمه
طوبى لمنتشق منه وملتثم
شبلي جوهر
طالب في جامعة مدينة النور