الهند هي مهد الحضارة والثقافة المعروفة بالمعاقل الإسلامية والمراكز العلمية والأدبية حيث أنها تضاهي العالم العربي بكثرة علمائها الأفذاذ وعباقرها الجهابذة في مجال اللغة العربية والثقافة الإسلامية.وفي ضمنهم العالم العبقري القاضي عصام الدين عبد الله كنج حسن مسليار.
ولادته
كان ولادة القاضي عام 1907 م ،نسلا لمحمد مسليار وفاطمة ، واختار له أبوه اسم جده عصام الدين ،ودعاه باسم كنج حسن ،ولكن كان عبد الله اسمه الحقيقي.
ولد جده الشيخ علي في كيرالا ولكن كان يمكث في سيلون، وكان أبوه القاضي محمد بن عصام الدين مسليار سبطه، لما رجع أبوه من فناني بعد أن تلقى تعليمه ولي قاضيا في منطقة كاباد.
تعليمه وتدريسه
وكان حياته يصدق القول "الابن سر أبيه" بكل معنى الكلمة. و كان أبوه القاضي أول أستاذ له حيث كان مدرسا لمدة ثلاث أعوام في مسجد الجامع بكاباد تدرس القاضي كتاب الألفية وزنجان من أبيه. وتعلم اللغة العربية والإنجليزية والمليبارية. وعلمه الأدب المليالمي واللغة المليبارية زميله أحمد كوتي الأركلي.
وقد أروى القاضي ظمأه الغير المتناهي للعلوم الدينية من العلماء المعروفين في ذلك العصر.وتلمذ على يد الشيخ كنجاين مسليار الملقب بمفتي جمعية العلماء لعموم كيرالا
وكان معه شركاء كثير في درس كنجاين مسليار منهم أوران مسليار وعبد الكمال مسليار الكاديري والحاج محمد الودكري.
وقرأ على حافظ أبو بكر مسليار ،وتعلم منه قرائة القرءان مع التجويد.
وبعده تربى على كنج باوا مسليار الذي كان مدرسا في مسجد الجامع بكاباد لخمسة عام. وكان هو شيخه في مجال التصوف
مدرسا
وكان مدرسا في مسجد الجامع بكاباد لأربعين عام.أقام درسه قبله في المسجد المسمى ب"كارينجيري" في قرية كاباد. وكان معه مدرسين في كاباد العلامة عالي كنج مسليار وكي كي محمد مسليار وأبو بكر الحاجي الكندوتي .وكان القاضي يعلم في درسه الكتب المهمة تحفة المحتاج وكنز الراغبين شرحي المنهاج وإعانة الطالبين حاشية فتح المعين وصحيحي الإمام البخاري والمسلم بالإضافة إلى تفسير الرازي.
"كفى كنج حسن مسليار قاضيا ومدرسا" قالها شمس العلماء إي. كي أبوبكر مسليار عند زيارته في كاباد. وكان أول من تولى مكانة القاضي والمدرس. وكان حياته مصداقا لقول الإمام شرف النووي "فإن الاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات"وكان تربيته تربية شيخ مرب تقي يعامل الطلاب معاملة الخير ويبحث أحوالهم وأحوال أسرتهم. وكان يعلمهم العلم الأدب بما يعتقد أنه لا بد أن يحوز المتعلم أدبا ضِعف العلم. ولم يفعل أي شيئ يهلك حرمة شعائر الله تعالى مصدقا لقوله تعالى "ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب"
مع أسرته
كان القاضي زوجا يساعد زوجته وأبا يرشد أولاده وجدا يلعب مع أسباطه. وكان أسرته مسجى بخيوط الحرير من الحب والحنون. كان في بيته قانون إسلامي"أن لا يخرج البنات من بيوتهم بلا حجاب، ولا يقضي الصلاة" وهلم جرا.
.وكان كافلا للأيتام والأراملة تصدقا قوله صلى الله عليه وسلم "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله"
وكان ضيافته يذكرنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" حيث يزور بيته رجال من شتى الأنحاء ولا يؤذنهم للرجوع حتى يأكلوا الطعام من بيته، مسلما كان أو غير مسلم.
فقيه
إن الفقيه هو الفقيه بفعله
ليس الفقيه بنطقه ومقاله
كان حياته الفقهي يذكرنا هذه الأبيات.
ولم يسرع القاضي إلى الفتاوى ،ولكن وقف عنه قدر الإمكان والاستطاع، حتى في أمور محلته ويقول لمن يجيئ اليه طالبين فتاوى أن يسألو من أعلم وأفقه منه في الموضوع . كما قاله زين الدين المخدومي المعبري في الأذكياء عن علماء الأخرويين
وإلى الفتاوى لا يكون مسرعا
ويقول اسئل من سكون تأهلا
حياته اليومية
وكان عاداته اليومية تحسد عيون الأعداء ، وكان حياته متعلقة باالتدريس، والمطالعة وعبادات الله جل وعلا. ولسانه دائما رطب بالأذكار والأوراد.
وكان يستيقظ في ساعة الثالثة صباحا كل يوم ،حتى وإن نام الأمس متأخرا. ولكن لا يوقظ أعضاء أسرته إلا بوقت الصبح وعادته أن يذهب إلى المسجد بعد الاستيقاظ. يهيأ خادمه المدعو ب"ميدو" ماء حارا للوضوء. ولا يتوضأ من المسجد إلا غريبا. ولن يخرج من المسجد بعد صلاة الفجر حتى يصلي صلاة الضحى. وكان يقرأ الجرائد كل يوم، ويقرأ منها "جاندركا" مع حب وكرامة.
ولا يرجع الى البيت بعد صلاة الصبح حتى جن الليل.
ويبدأ تدريسه بعد صلاة الفجر ويجري مجراه إلى جنون الليل إلا أنه يستريح في وقت الضحى فإذا يأتي إليه الناس سائلين مسائلهم وفتاوى أمورهم.ويقيل قبل صلاة الظهر قليلا والقيلولة سنة مؤكدة لمن يصلي صلاة التحجد. ويستيقظ منه قبل وقت الظهر وينتظر لصلوة الظهر وبعد ذلك يبدأ التدريس مجددا إلى وقت الطعام ويأكل القاضي طعامه بعد أن ذهب طلابه إلى بيوت الضيافة ثم يبدأ التدريس من جديد ويجري إلى العصر. ولا يكون التدريس بعد العصر ولكن إن جاء إليه أحد من الطلاب فيدرس له بذلك الوقت أيضا.
"الموت استراحة في الدنيا" وكان حياته مصدقا لهذا السطور الشعري الذي كتب بأيدي علامة محمد إقبال. لم يسترح من فلق الصبح إلى غروب الشمس بوقت قليل. والوقت بين العشاء والمغرب منقولة للأوراد والأذكار فقط. ولم يحب أن يتكلم أحدا في هذه الأوقات. ويجري التدريس مجددا بعد العشاء وينام في الساعة الحادي عشر كل يوم.
وكان رمضانه متعلقة بالمساجد والقراءة والعبادة .وكذا في الأيام البرائة والمعراج والعرفة وغيرها من ذوي الفضائل. ولم ينم في رمضانه إلا ساعة أو ساعتين ،وإذا ذهب إلى المسجد في الصباح لا يخرج منه إلا إذا جن الليل. كان محبا أن يكون إفطاره من المسجد. وكان يفطر بعد أن قال كل إجابة للآذان. ويزيد فيه كثير من الصلوات السنن كصلوة الأوابين وصلوة التسبيح ،وكان القاضي يدعوا الله تعالى والدموع تفيض من عينيه في آخر جمعة شهر رمضان.
مهارته في اللغة العربية
ولاية كيرلا قد أنجبت العديد من الكتاب المشهورين والعلماء المخلصين والدعاة المتقين. ومنهم القاضي عصام الدين عبد الله كنح حسن مسليار(نور الله مرقده)
كان أديبا بارعا ماهرا في اللغة العربية، شاعريته وإنشائه كانت ممتازة للغاية . وقد سجل تجرباته في فكرات وجيزة وأشعار فصيحة في اللغة العربية
وقد مس نبذة تجربته عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عمق فصاحة اللغة العربية. كان لغته وألفاظه جذابة القلوب. وكان فكراته التجرببة وقصائده يتعدى اللغة العربية العصرية. ويظهر مهارته وبراعته في اللغة العربية من هذه المقالات والفكرات، ومثال شاعريته الفياضة مرثيته على أستاذه كنح باو مسليار وقصيدته التي كتب عند توليته قاضيا في كاباد .
وقد سجل القاضي تجربته عند زيارة مقبرة علي الكوفي الفرنغوتيف في شعره:
ويوم المزارى من تعاجيب ربنا
علا إنه من من فيبة الطرد نجاه
برز في أشعاره النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان والأصول والتفسير وعلم الكلام وغيرها من العلوم، وكان ذا حظ وافر في الذكاء واللب وذا نصيب كثير في العلم والأدب، وكان لم يكتف بخدماته الدرسية ولكن انحنى على صلبه في مجال التصنيف والتأليف
عن شاعريته
إن الشعر ليمتاز عن غيره من الألوان الأدبية في أي لغة كانت، بما يمتلك أوزانا تولد إيقاعا موسيقيا في الآذان والقلوب، رغم ما يحمل في داخله من معان مختلفة من عواطف الشاعر وأحاسيسه وخيالاته البديعة.
عند إمعان أنظارنا إلى أشعاره نرى في شعره مسائل متشتتة وفتاوى متضاربة. كما نرى في شعره عن أحكام الزكاة أنه يقول في شعره
قد أوضحوا الأوزان للقرطاس
بل لديون النقد كالنحاس
يقول هذه الأسطار عن حكم النقد القرطاس يقول أنه ليس في النقد القرطاس زكاة يأته كالنحاس ولا زكاة في النحاس.
ويقول أيضا أنه ليس هناك زكاة إلا في النقدين قائلا:
قد أوجب الزكاة في النقدين
خلاف ما يجرى مقام ذين
والعروض والأوزان في فن الشعر لقد كانت محل اهتمام كثير من اللغويين السابقين. وعند إمعان أنظارنا إلى هذه الأشعار يمكن أن نراها موزونة في شتى الأوزان كبحر الوافر والبحر الكامل
وكان شعره أيضا يدل على مهارته في الفقه وهو يقول
كنا زمانا صار فيه الواضحة
من مشكلات انتهى ما صرحه
لما جرى نوط كنقد هاموا
قاسوا وعن مقداره فصاموا
كجاهدى زكاة نقد النوط
أغوى هواهم فارتضوا بالغوط
ومن كليهما الشري با علوي
أبدى الذي أجداه من فتح القوي
لولا زمان الغي ما أجداه
لولا الغي يا حسن ما إهداه
وغيرهم من سادة الأئمة
حباهم البارى هبات جمة
قد أوضحو الاوزن للقرطاس
بل لديون النقد كالنحاس
وما برفع الالتباس اسمية
والدين فافهم إنه كالعين
وحبها يمحو سواد العين
لا لا بدين الله تحلم دون ما
قد حده الزم نهج من تقدما
فاحكم بدين الله لا تحكم بما
نهج اللئام ولا به تهدما
يا صاحي قل أنى لك الصواب
منه جلا الشعار والثواب
أنى بنوط صحت المعاملة
بروت سمت عليك بالمناضلة
أنى تقول بانتقال الملك
والنوط لا تفي بأدنى ملك
أنى تفي الديون في ذا الحال
ما لك تنفي حق ذي الجلال
فما الذى دعاك حب المال
أو بغض فقراء مع الأمثال
ومن مداحئه النبوية
لما غدوت أراعى النجم في سهري
مما أعترانى من هم ومن ضرر
أديت معتمدا أما صح في الخبر
يا رب صل على المختار من مضر.
والأنبيا و جميع الرسل ما ذكروا
والحق بكل نبي خير عترته
من كان مندرجا فى طي طاعته
ومن أعان نبيا قصد نصرته
وصل ربي على الهادى وشيعته.
وصحبه من لطي الدين قد نشروا
ويختم الأبيات بهذه
ادمِ لهم مطر الرضوان نازلة
تغشاهم وسنا الأنوار واصلة
عليهم رحمات الله خاتمة
والآل والصحب والأتباع قاطبة
ما جن ليل الدياجير أو بدا الشحر
تواضعه
رزانة العلم من كان تثقله
يمشي بها خاضعا مقدار أثقال
وكان القاضي المثل اللامثيل للخضوع والتواضع. لما فاق القاضي إلى السماء في علومه خاض إلى الأرض بتواضعه. ولذا لا يمكن أن نرى القاضي في منظمات العلماء حتى في جمعية العلماء لعموم كيرالا. ولم يحب ان يعرفه احد في العالم ولم يمنع نسبه وحسبه أن يلعب مع أسباطه وتنظيف بيته. ولم يمل أن يسأل عالما شيئا لا يعلمه،وكان يمشي مرسلا عمامته على رأسه وآخذا عقدة التسبيح في يمينه وكان ينظر إلى مكان السجود إن كان ماشيا في ميدان واسع أو في مجتمع مكثف.
وكان القاضي يقول "ولم أفعل شيئا لغد" وأنه مشتغلا في عبادة الله تعالى وأوراده وأذكاره. وكان متهيئا كل يوم لغد كأن القيامة يأتي بالغد كما في حديثه النبوي صلى الله عليه وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر السبيل وعد نفسك من أصحاب القبور"
تصوفه
فقيها ومسكينا وكن ليس واحدا
فإني وحق الله إياك انصح
فذلك قاس لم يذق تقي
وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
كان حياته يصدق هذه الأبيات. كان فقيها عالما وصوفيا تقيا لله تعالى،وكان زاهدا في الدنيا وعارفا بالله،ولم يرى للدنيا قيمة جناح بعوضة كما نرى لها أمثالا كثيرة في حياته ،والطلاب يقولون كان زهده يرشدنا إلى عبارات إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي. "والفلك تحتاج إلى الماء إن دخل الماء فيها يغرق ، والإنسان يحتاج إلى الدنيا للحياة فيها يهلك"
جمعنا الله تعالى في جناته النعيم،آمين