صيام الأطفال في شهر رمضان


 دخل العالم الإسلامي إلى شهر رمضان المبارك هو شهر الرحمة والغفران الذي ينتظر فيه المسلمون أفضل ليال خلقها الله عز وجل, هي ليلة القدر المباركة كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المبين { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } (سورة القدر) . وفي هذا الشهر المبارك يصوم الجميع من الكبار والصغار. وثمة صيام لبعض الأطفال صيامهم  مضحكة ومختلفة جدا لأن مدة صيامهم لن تتجاوز عن نصف النهار أو أقل منه لكنهم يتفاخرون بعضهم البعض ويمشون بين الأهالي والجيران كأنهم حصلوا على عرش بلقيس. 

وعادات الأطفال في رمضان مضحكة وممتعة للغاية. منهم من يتحدثون عن صومهم لكل من يلتقيه ومنهم من يغرس عيونهم على الساعات المعلقة على الجدران منتظرين وقت الغروب وهؤلاء أحيانا يمشون في البيوت يمينا وشمالا مبتعدين عن اللعب والعمل اليسير معتذرين أنهم صائمون فعليهم الاستراحة بالكامل.  ومنهم من يحيطون بالأطعمة والمشروبات ناظرين إليها وهم يقولون في داخلهم (ممم.. إذا حان وقت الإفطار سنقضي عليكم جميعا يا أيها الفواكه والاطعمة...). 

في الحقيقة أن تلك المشاهد مضحكة جدا حيث ينظر الأطفال إلى أكياس الأطعمة كما ينظر المحارب معارضه في ساحة الحرب. ومنهم من يبل فمه وشفتيه بالماء بين الفينة والأخرى وهؤلاء دائما يطوفون حول الآبار وأنابيب الماء وتكون علاقتهم معها أكثر وطيدة من غير هذا الشهر المبارك كأن الأنابيب أصبحت أقرب صديق إليهم. ومنهم من يزور دائما مطبخ البيت ومخزن الأطعمة ويدعى هؤلاء " حراس المطبخ" وعاداتهم تفتيش الثلاجات من قمة رأسها إلى أخمص قدميها بلمسهم على أشياء ادخرها فيها أهل الدار. 

 ومن مشاهد تشهدها كلُ دولة خلال فترة رمضان أن الأطفال في تلك الفترة تمتلئ المساجد بحضورهم ومجالس العلم والوعظ بخدمتهم القيمة ويجتمع أطفال القرية جميعا عند الأذان ويدخلون المساجد أفواجا ويزينون المساجد بالأذكار وقراءة القرآن حسب إمكانيتهم ويشاركون بكل نشاط في إعداد مائدة الإفطار في ساحات المساجد وأماكن الإفطار. ويكونون على قرب المائدة وهم يلازمون بها قبل أذان المغرب بدقائق.

 رغم ذلك أن الأطفال هم زينة وبهجة وفرحة وتحركاتهم تعطي الراحة والسعادة للجميع وأصواتهم يذكر وجود الحياة وجماعتهم في المسجد تخبرنا عن مستقبل زاهر للجيل الجديد. وفي هذه الفترة المباركة يتعرض الأطفال لمشاهدة كثير من أفعال الخيرات في داخل البيوت وخارجها ويتعرضون لتعلّمِ حسن المعاملات والمحادثات ويشاهدون أكثر تبرعات وصدقات من الأيادي السخية وتعاون الأمة والشباب في كل عمل في شهر رمضان. واهتمام بالمحتاجين والفقراء والمساكين. وهذا كله سيساعد الجيل الجديد لترسيخ مستقبلهم الزاهر.  




 إمام في تركيا يلاعب الأطفال في المسجد بعد صلاة التراويح

مما يكون الصغار مولعين به في ليال رمضان أن ليالي رمضان تستقبل مختلف الألعاب التقليدية التي تظهر في شهر رمضان المبارك فقط وبها يجعل الأطفال الليلة نهارا ويقومون بتزيين الحيطان والجدران بمصابيح ملونة من مختلف  الأنواع والأحجام ويجتمعون حول حوانيت المخللات وعصارة ليمون ومانجا وبرتقال وغيرها من الفواكه وهكذا حول حوانيت عجة البيض فيشترونها ويتناولونها ويراقبون طريقة عمل العجة بالبيض وأنواع أخرى تصنع بالبيض والخبز. 

ويثرثرون الكلام جماعة جالسين حول تلك الحوانيت ويتبادلون الكلام ويشاورون في موضوع مهم يتعلق بهم ويتحدثون عن شراء الملابس والأحذية ويتحدثون عن أماكن يريدون زيارتها في أيام العيد وعن أطعمة يريدون طبخها في بيوتهم يوم العيد وهكذا يطول كلامهم طوال اليل ويعودون إلى بيوتهم قبل التسحر بدقائق ثم يقومون بتناول الطعام وبعدئذ يقتربون من أجدادهم أو جداتهم ليتلقوا كلمات نية الصوم من أفواهم مباشرة. وإذا أذن المؤذن أذان الفجر يفيض الصغار والكبار إلى المساجد وبعد أداء الصلاة وقرآن الفجر يعودون إلى البيوت وينامون على الفراش حتى الساعة العاشرة صباحا أو حتى ترتفع كلمات أذان الظهر من منارات المساجد.

جعفر بن أشرف
باحث ، حرم الوافي الجامعي، كالكاو

إرسال تعليق

أحدث أقدم