أدب المقاومة في فلسطين ؛ المكافحة بالقلم دون المخذم

بكل ما تحمله الكلمة من معنى إن فلسطين أرض الحزون والهموم، يتدفق فيها دموع غير منقطعة بحيث لا يستطيع إرسالها ولا تصعيدها حتى جفت عيوننا وقلوبنا بالدموع بذكرياتها الحزينة. تنزل فيها أمطار الدموع غريرة منذ مدة بعيدة حيث   تمد إليهم أظفار النسور وأسنان الشياطين ليقضي عليهم ويمحو تواجدهم من وطنهم المحبوب.وقد تذوق الفلسطينيون كل أنواع  الوجوع والآلام من اعتداء الجيش الاحتلال .وهم إخوة الحرب الذي يتصاحب معهم منذ  ولادتهم ،نزلوا في ساحات المعركة بالأسلحة والأقلام الحادة المؤلفة باالحكايات والأشعار عن الزنازين وقهر الإسرائيل واستعمارهم، فقاوموهم بالصماصم وبالكتابات  حتى ظهرت بهم فن في الأدب يدعى  بأدب المقاومة،فالفلسطين هي منبع أدب المقاومة في العالم وموردها ثم انتشرت هذا الفن إلى كل بقعة العالم.        

ما هو أدب المقاومة؟

 أدب المقاومة ،هو أسلوب مقاومة كتابية تظهر في الثورات وغيرها ضد أيادى الظلمة والمسلّطين .ومصطلحها تجيئ من كتاب أشهر مقاومي فلسطين غسان كنفاني المتوفى ب1972 في ‘أدب المقاومة في الفلسطين’ .حيث كتب فيه عن مكافحة احتلال الصهيونيين عن طريق الأدب.وهذا الكتاب من أشهر كتبه التي يعالج فيه المقاومة الأدبية التي تشكلت بعد سيطرة الإسرائيليين على فلسطين التي تسمى  ب‘حركة النكبة’ سنة 1948م.وبعد النكبة نشأت أدب المقاومة في فلسطين بشكل خاص وفي العالم بشكل عام  تدريجا تدريجا.ونبع  في فلسطين شعراء نابغون  وأدباء عبقريون، وفي طليعتهم محمود درويش الملقّب بشاعر الفلسطين،وتوفيق زياد ،ونايف سالم، وسالم جبران ،وسميح القاسم وغيرهم. وهناك شعراء عديدة ظهروا بعد انفجار حركة النكبة.فقاوموا ضد الصهيونيين عبر الأشعار والكتابة. 

       بعد سنة 1948،تحوّل ذوق الشعر الفلسطيني إلى أدب الهجرة الفلسطينية ،والأدب المعلقة باللاجئين. وجعل الشعراء ينحتون أفكارهم من وجهة حب الوطن والشوق. مع أنهم كانوا  يحزنون في فقد وطنهم ويأنّون على زوال دولتهم إلى أظفار الشياطين الصهيونيين. فقاوموا وكتبوا ونبّهوا أبناء الوطن بشعرهم على عشقها كالشعر الودي للمحبة والمعشوقة التي جرت الـأقلام من قبل. وتحوّل الى الأشعار التراثية عبر سطور العشق ،وبسطور العامي المشهور بين الأناس. فجعلوها أسلحتهم ومخذمهم. 

              بل بعد 1948 حركة النكبة في فلسطين بدّلت الأشعار وسيلتها إلى النشاط السياسي من الأشعار الممتلئة باالحب والود لمعشوقاتهم من ذي قبل.وتحول مجرى الشعر إلى حب الوطن والبلد. وبعد صدور قانون المواطنة لعام  1952، أسّست مدارس مقاومية في فلسطين كالمدرسة المقاومة العربية لعام 1966، التي اشتهرت بأدباءها العملاقة  كتوفيق زياد ،وسميح القاسم،ومحمود درويش وغيرهم من أبناء تلك المدرسة الأدبية . وبعدها تم تأسيس مدرسة الثورة الفلسطينة التي تضم عبد الكريم الكرمي،ومعين بسيسو،ومحمود درويش،وعز الدين المناصرة وغيرهم.

     وأجرى ماء النيل أشعارا كفاحية ضد الدولة الإسرائيلية.وهيّجوا أشعارهم وفكراتهم المنفرة عن الصهيونيين من ذلك المورد اتّخذوا مجرى لماء الشعر،وأسالوا وشلا ضد الصهيونيين ومعهم شعب فلسطين يقاومونهم بالأسلحة في تلك السيلان.والشاعر عز الدين المناصرة هو أخو السيفين النصل والقلم،حيث قاومهم وحاربهم في الهجرة من بلده إلى لبنان حيث نزل المعركة  مسلحا وبعدها حارب في لبنان بأشعاره الحادة. هو الشاعر الوحيد الذي واجههم بالقلم والمخذم. واتّخذهما سلاحا لمكافحة كيان الصهيوني.

                      وأسالوا من تلك المنبع جريان عديدة بالكتابات،من  الأشعار،والروايات ،والسيرات،وقصص العبرات ،والرثاء وغيرها من أساليب اللغة في ألوان مختلفة. وعلى رأسهم ‘غسان كنفاني’(المتوفى،1972) الذي يكتب ويألف من أفكاره الفسيحة والفصيحة في بيروت. ولد في سنة 1936 في عكر،ونشأ في جفا. وبعد النكبة اضطّر على الهجرة إلى لبنان،وبعدها انتقل إلى دمشق وكان قد  قضى نصيب الأسد من حياته بها، وعمل بها،ثم انتقل إلى رولات. كان معظم كتاباته تتعلق  باالمقاومة. وقد كتب قصة‘أرض البرتقال الحزين ’ الذي تقول عن حزون الفلّاحين الساكنين في جفا. فبعد النكبة نقبوا ملكهم وأهلكوها. وهذه الكتابة عند قيام جند الإسرئيل على الإقدام إلى تراب الفلسطين وتراثها. ومن كتبه‘الرجوع إلى حيفا’

محمود درويش،أبو الشعر المقاومية

      هو الشاعر المشهور النابغ الماهر محمود درويش.وهو سلة شعر امتلئت بأشعار الاستقلال. هناك بحر وقواعد عديدة قد يراعي لدى كتابة الأشعار كاتفاق القوافي وغيرها.بل صدر من محمود درويش شعر جديد مختلف ومستقلّ بلا اتّفاق القوافي، لا يمكن لشعر أن يحمل ثقل أفكاره وأحزانه، وهو كاتب الأشعار مثل قناطيرالجبال.

وله أشعاره كثيرة تتمتع بثروة المعاني،ومن درره التي نقشها: ‘صمت غزى’،‘الشعر التي ليس بالأخضر’،‘ومن وطني’،‘إنّه ليغنّي وليبكي’،‘كنت جميلا كالأرض’،‘وحبيب من فلسطين’وغيرها. وهناك كتب عديدة تبرهن شاعريته العظيمة.وإذا قرأنا هذه الكتب والأشعار نجد فيها المعاني العديدة تظهر فيها حزنه على فقد دولته. ومن درر قوله:"الجور بالنفي عن الوطن والاحتلال هما لا تقوما بهدم هممهم وعزم الناس المتعلقين على نيل حقوقهم وحريتهم وشرفهم. ألّف نظما شعريا متحدّيا لدولة الإسرئيلية بثقل سطوره حتى قبلها الناس ومدوا أيديهم إلى تلك الشعر المقدم إليهم. ومن أوّل سطورها:

        سجّل

        أنا عربي

        ورقم بطاقتي خمسون ألف

        أطفالي ثمانية 

        وتاسعهم سيأتي بعد صيف

        فهل تغضب...   

       حيث يمتد السطور،وفيها يقال ‘سجّل’ بهذا الوجه أربع مرّات. وجعل الناس مسكن هذا القصيدة ضمائرهم،وجعلوا ينشدون هذه على كل حال ويبغضون احتلال الإسرائيلي الغاشم. ، وله أشعار جمة ،منها الشعر حرفة وهواية،المطر الناعم في خريف بعيد، وغيرها. 

ومن شعراء الفلسطين : فادي جودة،وغسان زقطان،وطه محمد،وزيد المزين،وعز الدين المناصرة،والندنا أبو أقصى، ورشاد حسين،ونجوى كاور وغيرهم. ومن الشعراء المعاصرين الذين يكافحون الإسرائيليين جريس ديبات.ومن أهم أشعاره ‘تظلين أحلى’ ومن أشعاره ‘الرصاص’:

رميت الرصاص

لأنّي كرهت شظايا الرصائص.

إنّ هذا الرصاص الذي     

في يديك مدار الحياة.

      ومن أدباء المقاومة المشهورين سميح القاسم،ومن أهمّ عمله ‘خطبة في سوق بعدم العمل’،‘ طيور بلا أجنحة’. و كتابة ثورية بالأسئلة .و‘أبناء الحرب’،و‘اعتراف في منتصف النهار’،و‘التخلي’،و‘قصة مدينة’،‘كيف أصبحتُ مقالة’، و‘قصة الرجل المجهول’ ،و‘نهاية المناقشة مع السجونة،و‘الساعة على الحائط’. وسوسن أبو الهوى شاعر آخر، ومن كتبه: قصة الطفل المسمى بأمل ولد في ملجأ اللاجئين.و‘معارض العالم بلا حب’ وهذه ظهرت في وقت الحرب ستة أيّام بين العرب واللإسرائيلية سنة 1967.وكان ذلك مأصّلة على عيش طفل لاجئ قد كلّف على الهجرة.حيث سجّلت مقاومته عبر هذه الكتب.

                    ومنهم توفيق زياد،وفدوى طوقان ،سليم جبران.وأشعارهم طويلة كزمرة النّاقة،ومن كتب توفيق زياد‘غير ممكن ’،‘حيث يمرّ عنا’. وفيها استخدام أساليب الاستعارية والمجازية .ومنها "هنا نقف".

                    هنا...على صدوركم،باقون كالجدار

                    وفي حلوقكم 

                    كقطعة الزجاج ،كالصّبار 

                    وفي عيونكم 

                    زوبعة من نار.

                                    حيث استعمل ‘حلوقكم’ بالإسرائيليين،وأيضا ‘في عيونكم باقون كالجدار’ يشير إلى بقائهم عليهم كالجبال الراسخة.

                                               وأدب المقاومة تسلسل عبر السجون أيضا. فظهرت في تلك السجون الحديدية الأشعار كحديد تهدم عليهم . فعرفنا عن سيلان أدب المقاومة في فلسطين عقب النكبة .قد جرت في فلسطين أدب المقاومة ويستمرّ إلى الآن كسمة التظاهر والاحتجاج ضد الاحتلال والاستعمار.


صفوان وي.في

إرسال تعليق

أحدث أقدم