مساهمات كيرالا في المدائح النبوية


 تعتبر اللغة العربية من أعرق اللغات بلاغة وأدبا، وكان العرب يهتمون بالشعر منذ القرون الجاهلية ، وقد اشتهر منهم شعراء في العصر الجاهلي، قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، يجد الباحث في كتب الأدب والسير والتاريخ كثيرا من أعمالهم الأدبية والشعرية مما أصبحت مرجعا في الأدب على مر العصور، أكثر مما نجد في الأمم والحضارات العالمية الأخرى. ومن المعروف أن الشعر يعتبر ديوانا للعرب، نجد فيه كل ما يتعلق بهم من التراث والتاريخ والتقاليد والحب والوصف وغير ذلك.

ومع ظهور الإسلام في الجزيرة العربية أقبل الشعراء على مدح رسول الإسلام محمد- صلى الله عليه وسلم- بمختلف أشعار المدائح النبوية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم تعرف تلك الأيام بهذا الاسم . وكان الشعر أيضاً يستعمل كسلاح فيما بينهم يمدحون به من يحبهم ويهاجمون به من يكرههم. ولذلك نرى شعراء الإسلام كانوا يدافعون عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن رسالته وتعاليمه من خلال مدائحهم وأشعارهم كما مجدوا دعوته وأخلاقه وشمائله الكريمة.

وقد انتشر الأدب العربي بشكل عام والشعر العربي بشكل خاص في مختلف أنحاء العالم مع انتشار رسالة الإسلام، حيث أن دعاة الإسلام حملوا معهم أيضاً نظرا لعلاقة الدين الوثيق مع اللغة العربية لكونها لغة القرءان ولغة كثير من العبادات والأذكار. وكان للهند مساهمة عظيمة في مجال تعليم اللغة العربية والاهتمام بكتبها، وقد نشأ في الهند عدد من علماء اللغة العربية الذين أظهروا مهارتهم في فنونها المختلفة ومنهم شعراء، ألفوا أشعارا وقصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتاريخه وسيرته، قديما وحديثا.

وكيرالا ، كولاية اهتمت كثيرا بتعليم اللغة العربية وإنشاء كتب وإجراء دراسات في هذه اللغة العريقة، لها مساهمات جليلة في هذا المضمار. نشأ في كيرالا عدد من الشعراء النابغين في اللغة لهم مدائح نبوية ترقّت إلى المستوى العالمي في جميع جوانبها، بأساليب بديعة ومعاني رائعة وكلمات جميلة، منهم القاضي أبو بكر بن رمضان الشالياتي والقاضي عمر بن علي البلنكوتي وعلي بن فريد الكتشنو وعبد الرحمن المسليار الأريكلي وغيرهم .

وقد ساهم شعراء كيرالا في مختلف العصور بإسهامات جليلة في شعر المديح النبوي، بعضها بشكل قصائد وأبيات وبعضها بشكل المولد النبوي، كما أن هناك مساهمة قيمة لشعراء كيرالا باللغة المليالمية في مجال مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ومن أشهر هؤلاء الشعراء موين كوتي وايديار الذي اشتهر بقصائده في هذا المجال، وخصوصا قصيدته المشهورة "بدر بدا بات" شعر غزوة بدر، وغيره، ومن أروع أعمال الشاعر الكيرالي المشهور فلاتول نارايانا مينون قصيدته التي مدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم "بامسوسنانم."

وكان أهل كيرالا بشكل عام يهتمون بالمدائح النبوية، وخصوصا منها ما يعرف بالمولد النبوي، ينشدونها في مواسم عباداتهم الخاصة، ويبتدئون المجالس الدينية والعلمية بإنشاد أبيات من قصيدة البردة المشهورة للإمام البوصيري وغيرها من قصائد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.وكان شعراء كيرالا يعتبرون مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من أبرز أغراض الشعر العربي، وذلك يستمر  من نشأة الشعر العربي في كيرالا إلى يومنا هذا. فعلى الرغم من أن من بين شعراء كيرالا من أجاد في مختلف فنون الشعر وأغراضها، إلا أن جل قصائدهم تبدو فيها العاطفة الدينية أبرز وأروع من العواطف الأخرى. فطبيعي أن يستعملو قرائحهم في نظم القرائض في المديح النبوي، مدحوا بها الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله وتعاليمه، وذكروا سيره وتاريخه، وتفننوا فيها لطائف المعاني وبدائع الأساليب. نستعرض هنا على سبيل المثال، لا الحصر، بعض المدائح النبوية لشعراء كيرالا، ونسلط ضوء على نماذج من بعض القصائد حينما نكتفي بسرد أسماء شعراء المدائح الأخرين.

الوردة الذكية في تخميس قصيدة البردة 

هي أول قصيدة عرفت لأهل كيرلا. وصاحبها هو القاضي أبو بكر بن رمضان الشالياتي. ولد في سنة 834هـ/1429 م. وتلمذ على أبيه القاضي رمضان بن موسى،ثم رحل إلى الحجاز للدراسة العليا، وقرأ هناك على العلامة جلال الدين المحلي وغيره. وبعد ما رجع إلى بلاده اشتغل بالتدريس في جامع كوتيشيرا بكاليكوت. وكان الشيخ زين الدين بن علي المعبري من تلاميذه البارزين. توفي سنة 895هـ/ 1490م.

تدل هذه المخمسة على ينبوع الشاعر في فن الشعر حيث أننا لا نجد فيها أثر التكلف والاصطناع، في حين أن التخميس يعتبر من أعسر أنواع الشعر. ومطلع القصيدة :

رفقا بنفسك يا من بات ذا ألم     

 كم ذا التأوه في بحلوك الظلم

مالي أرا حمرة في الخد كالعنم 

أمن تذكر جيران بذي سلم

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

راحة الفؤاد في تخميس بانت سعاد

هذه المخمسة أيضا للقاضي أبي بكر رمضان الشالياتي. شرع في قرضها بعد أن فرغ منظم تخميس البردة. وهذه القصيدة أيضا دليل على الشاعرية الفياضة لصاحبها. يقول فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:

النور باق وقد غابت شموسهم   

ففي رضي الخالق ارتاحت نفوسههم

هم الهداة فلا يشقي جليسهم        

شم العرانين أبطال لبوسهم

من نسج داود في الهيجا سرابيل

القصيدة في المدائح النبوية

هذه قصيدة رائعة مشهورة للقاضي عمر بن علي البلنكوتي من علماء وشعراء كيرالا، والذي يعتبر رائد النهضة الحديثية في الشعر العربي بكيرالا. ولد في قرية بلنكوت سنة 1179 هـ/1757 م. وبعد أن أتم الدراسة الدينية الابتدائية التحق بجامع فناني وقرأ على العلامة مامي كوتي المسليار. ثم تولى القضاء في بلينكوت وما جاورها من المناطق الغربية. وكانت له علاقة وطيدة مع كثير من العلماء في داخل الهند وخارجها.اشتهر بعلمه وورعه وشعره، كما اشتهر بمعارضته الباسلة من الحكومة الاستعمارية البريطانية. توفي سنة1273هـ/ 1852 م.

يحتوي هذه القصيدة على 24 مخمسة رائعة، أنشدها أمام باب الروضة الشريعة حينما رآه مغلقا فانتتاه فيه عواطف ممتزجة من العشق والشغف والحزن والبأس. فلما أنشد هذه الأبيات، ينذرف الدموع على خديه انفتح أمامه باب الروضة فقرت به عينه. ومطلع القصيدة:

صلى الإله على ابن عبد الله ذي

خلق بنص الله كان عظيما

فظا غليظا لم يكن بل لينا

برا رؤوف المؤمنين رحيما

صلوا عليه وسلموا تسليما

ويفتح الشاعر أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرض آلامه وأحزانه فيقول:

يا أكرم الكرما على أعتابكم

عمر الفقير المرتجى لجنابكم

يرجو العطاء على البكاء ببابكم

 والدمع في خديه سال سجيما

صلوا عليه وسلموا تسليما

قصيدة لما ظهر

هذه القصيدة أيضا للقاضي عمر البلنكوتي، تحتوي على 38 بيتا، وقد بدأ القصيدة بذكر العجائب التي حدثت وقت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم. يقول في مطلعها:

لما ظهر عم البشرى

 ضاء البصرى كسرى انكسرا 

فاضت ساوة غاض سماوة

    أهل عداوة نادوا حذرا

زان الحنة صاح الجنة

جاء المنة تترى تترى

قصيدة ألف العاصي

قصيدة أخرى للشاعر نفسه، اعتنى فيها بتوحيد الحروف في بداية الصدر والعجز لكل بيت من الأبيات حسب ترتيب الحروف الهجائية. مطلعها :

ألف العاصي الذي في البكر والآصال صال

انظما في مدح من هو في ذري المعال عال

قصيدة لاح الهلال

هي أيضا للقاضي عمر البلنكوتي. تحتوي على 25 بيتا. وأبرز ميزتها أنه استعمل فيها الحروف المهملة فقط. ومطلع القصيدة:

لاح الهلال لامع العلم

لله داع رسول الله للأمم

الحاكم العادل الصدر المعد له

كل المكارم سمح واسع الكرم

وللقاضي عمر البلنكوتي قصيدة أخرى استعمل فيها الحروف المعجمة فقط وقصيدة أخرى تسمى بالقصيدة الهمزية في مدح خير البرية، كما أن القسم الثاني من قصيدة "نفائس الدرر" للشاعر نفسه يتناول مدح النبي صلى الله عليه وسلم.

الهمزية النبوية

هذه القصيدة للقاضي أبي بكر بن محي الدين الكاليكوتي. ولد في أسرة القضاة بكاليكوت، تلمذ على أبيه وأخيه، ثم قرأ على الشيخ زين الدين المعبري والشيخ عمر بن علي لبا القاهري،شغل في منصب القضاء بكاليكوت. وكان الملك السامري يستشيره في بعض الأمور. وكان شاعرا قديرا تعرف له 20 قصيدة في موضوعات مختلفة. توفي سنة1301هـ/1883 م.والقصيدة المذكورة أعلاه تشتمل على 58 بيتا على ترتيب الحروف الهجائية. وكل بيتين في القصيدة يتوافقان بالحروف في بداية الصدر ونهايته وبداية العجز. مثلا:

باهي به الرسل والأملاك بالطرب

باهي المحيا فمنه كل أبهاء

به النهار بشمس حار ذا عجب

بدر وعرش وكرس كل لمعاء

ولهذا الشاعر قصيدة أخرى يُبدي فيها شوقه إلى زيارة الروضة الشريفة، ويرسل صلاته وسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق ريح الصبا. يقول فيها:

بمسك المحبة طيبتها

بكافور شوق عليها نثر

وعطرت صندوقها باشحا

ومفتاحها ذكر خير البشر

وناديت ريح الصبا عندما

هبت بهيجان عزم السفر

إلى ربع ليلي وجيرانها

وزوارها عند وقت السحر

الجمان المعظم في سيرة النبي المكرم

هي قصيدة حول السيرة النبوية للشاعر المعروف عبد الرحمن المسليار الأريكلي. ولد في قرية مويفوت القرية من واداكارا سنة 1932 م. تعلم حوالي عشر سنين في دروس المساجد، وجُلها لدى العلامة محمد الشيرازي. وبعد أن تخرج من دار العلوم بوازكاد اشتغل مدرسا في جوامع فيولي وتودنور وغيرهما. والتحق مدرسا بالكلية الرحمانية بكدميري سنة 1977م، واستمر في منصبه إلى أن وافاه الأجل.

وهذه القصيدة تتناول الوقائع التاريخية من البعثة النبوية إلى الهجرة. يقول فيها عن إيذاء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وهموا بإطفاء الهدى ربهم

بأفواههم كالسراج تطفأ بالفم

وما علموا أن ذاك شعلة جمرة

متى نفخوها تلتهب وتضرم

الدر المنضد

قصيدة أخرى للشاعر نفسه، تتناول شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيها

كمالات جسم المصطفى في صفاته

وخلقته لم تجتمع لسيد

فإن رسول الله أزهر لونه

بياض مشوب حمرة غير أشدد

خلاصة الأخبار في سيرة المختار

نظم الشاعر الكيرالي علي بن فريد الكتشونوري قصيدتين في سيرة الرسول ومدحه، أولهما مطولة ألفية سماها خلاصة الأخبار في سيرة المختار، والثانية في معجزات الرسول سماها "العقد الثمين في معجزات الرسول" ابتدأ الألفية بالحمد والصلاة على الرسول والآل:

الحمد لله الذي قد أرسلا

إلى العباد الأنبياء الفضلا

واختص منهم بالكتاب المحكم

محمدا أتى بشرع قيم

وأفضل الصلاة والسلام

على النبي سند الأنام

وآله الأخيار أعلام الهدى

وصحبه وكل من به اقتدى

وحينما أكمل الشاعر ألفيته وفرغ منها ،ونظم قصيدته في معجزات الرسول، استهلها بقوله

ومن حيه ما قد كان نظمي مكملا

غدوت لذكر المعجزات مؤهلا

فحبي يهدي المصطفى بعد موته

وإن غاب عنا جسمه وتزيلا

يعتبر عمل الشاعر علي بن فريد من أهم مدائح الرسول في العصر الحديث في الهند.

قصائد أخرى في المديح النبوي

هذه هي القصائد المشهورة لشعراء كيرالا في المديح النبوي وهناك قصائد كثيرة أخرى في المديح النبوي لشعراء كيرالا، يشتمل بعضها على مئات من البيت وبعضها أقل منها من عدد الأبيات. ونورد هنا أسماء بعض القصائد وأصحابها:

1. المنحة المكية في مدح خير البرية: الشيخ حامد بن السيد محمد بن السيد مصطفى البخاري الساحلي 1280-1352هـ

2. قصيدة مدح الخير البرية الشيخ أحمد، المدعو ب'باوا المسليار بن الشيخ زين الدين المخدوم الأخير 1277-1314 هـ

3. النور الأول في مدح النبي صلى الله عليه وسلم : محمد المسليار الأريكلي 1298-1380 هـ

4. مخمس قصيدة رسول الله : الشيخ محمد المسليار تنم ويدل 1300-1349هـ

5. قصيدة المعجزات: الشيخ محد المسليار تنم ويدل

6. الشقائق البستانية في مدائح خير البرية : السيد محمد بن السيد حمزة البستاني الساحلي1300-1380هـ

7. الرسول الأمين: أبو الرحمة محمد الفيني 1318- 1363هـ

8. المسك المعطر في مدح الرسول المطهر : أبو الرحمة محمد الفيني

9. سمر السرى في مدح خير الورى : عبد القادر الفضفري 1313-1363هـ

10. القصيدة الهمزية في أصول خير البرية : عبد الرحمان بن محمد الكانياتي 1320-1380 م

11. تخصيص على قصيدة بانت سعاد : الشيخ أحمد المسليار كودنجيري 1310-1352هـ

12. مخمسة قصيدة الامام السيوطي : عبد الرحمن محمد الكنياتي

13. قصيدة مناجاة : أبوبكر بن محي الدين التامرشيري 1922-1339هـ

14. قصيدة في مدح شهر ربيع الأول : عبد الرحمن بن معين الدين الكدوولي 1962 –

15. السيف المسلول في وفاة الرسول : كنمل أبوكر كوتي المسليار 1396-1339 هـ

16. القصيدة القطبية في مدح خير البرية : أحمد بن نور الدين الفانغي 1305-1365هـ

ويتضح مما احتصرنا أعلاه أن مساهمة شعراء كيرالا في المديح النبوي مساهمة جليلة لا يقل مستواها على مستوى شعر المديح النبوي في أنحاء الهند الأخرى وفي أنحاء العالم. وقد عالج شعراء كيرلا في مديحهم معظم المواضيع التي عالجها شعراء المدائح في جميع أنحاء العالم من خوارق صاحبت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ووصف أخلاقه وشمائله وذكر تعاليمه وشريعته وكذالك أهم وقائع سيرته بما فيه الهجرة والغزوات.

المراجع

1 مبدأ الشعر العربي في كيرالا وتطوره: د/ ويران محي الدين الفاروقي

2 مساهمة كيرالا في الأدب العربي (مليالم): د\ ك. م محمد

3 المسلمون في كيرلا: عبد الغفور القاسمي

4 مجلة "العلم الإسلامي " السنوية 1423هـ: علي كوتي المسليار (رئيس التحرير)

5 الأريكليات: عبد الرحمان الأريكلي

6 المدائح النبوية لشعراء كيرلا- عبد الرحمان الفيضي الملافالي- العددان الثالث والرابع – صفر 1433- يناير 2011- صفحة /157-163

7 المدائح النبوية في الشعر العربي الحديث : د/ عبد الرحمان معين


أبو بكر منجات شالي

إرسال تعليق

أحدث أقدم