السيد حيدر علي شهاب : ثلمة لا تسدّ


 انطفأ مصباح من مصابيح كيرلا التي كانت ملجأ من ضاقت به الحياة ذرعا وملاذ من انسدّت أمامه جميع طرق الآمال والأحلام وبوّابة مفتوحة لمن أغلقت أمامه جميع أبواب الاطمئنان الروحاني ومشكاة من تاه في ظلام  الحياة الدنيوية. نعم يا سيد حيدر علي شهاب، كنت لنا قنديل الدجى ومنديل الهفوة، كنت قبلة المحتاجين ومنارة رائعة يسترشد بها من سلك العالم الروحاني. 

كان شخصية قلما نجد مثلها في صفحات التاريخ، حياة مع الكفاح والنهضة والوقوف على وجه السيادة في المجالات الروحانية والسياسية. صوفي لا يذكره علماء كيرلا إلّا قاموا له تكريما، قائد سياسي لا يذكره السياسيون إلّا صمتوا له تبجيلا، تقديرا لخدماته الجزيلة في المجالات الاجتماعية والثقافية والروحانية. 

في غمار سيادة الأمة:

كان السيد يمارس دراسته العالية في الجامعة النورية بفيضاباد، وخلال دراسته في الرحاب ما كان يقضي أوقاته في التعلم فقط، بل كان يعكف أيضا على تنسيق نشاطات متنوعة في مجال الدعوة وخدمة المجتمع. ولمّا أسست اللجنة الخاصة للطلاب المسلمين بعموم كيرلا (أس أس أف) سنة ١٩٧٣، جعله علماء جمعية العلماء لعموم كيرلا في منصب رئاسته، اقرارا لمهاراته الممتازة في تنسيق الأنشطة التي كانت الأمة المسلمة في حاجة ماسة إليها في تلك الأيام. ومن هنا شهدت الأمة قائدا ناضجا ومتفوقا بمهارة التنسيق والسيادة. 

نشأ السيد حيدر علي شهاب في قالب شهابي يتحلّى بالوسطية والتصلب في الأصول والأسس، هنا يصنع التاريخ رجلا مثاليا في عمقه الوفاء للأمة والمجد والكرامة، عبقريا صنع أمة ترنو إليها الأمم. بعد وفاة أخيه الكريم السيد محمد علي شهاب، أجبره قوّاد حزب "رابطة المسلمين في نقاب الهند" على تولي مقاليد رئاسة الحزب. وبعد أن تولّى الرئاسة سنة ١٩٩٠ أخذ يمشي على الأثر الذي كان أخوه يمشي لحدّ أن انجذبت إليه شخصيات تنتمي إلى شتى الأحزاب والفرق من العلمانية والشيوعية والسلفية. 

ما كان له وقت يستريح فيه بدون شغل ولو للحظة، تبدأ أيامه بصلاة التهجد وتمر طوالها برامج دينية واجتماعية وثقافية متنوّعة. وخلال هذه الأيام المشغولة للغاية كان يعيّن يوما خاصا في كل أسبوع لسماع شكاوي عامة الناس وأحزانهم، فيستقبلهم جميعا بقلب واسع، بغض النظر إلى دياناتهم أو فئاتهم المختلفة، ويستمع إليهم واحدا إثر واحد، ويقدّم حلولا شافيا لقلوبهم المتألمة ومناشف روحانية ماسحة دموعهم المتدفقة ، كانوا يأتون  بالدموع والآلام ويرجعون إلى بيوتهم بوجوه باسمة وقلوب مرتاحة. والسبب  المحوري في تجمع الشعبية حوله ، هو ابتسامه الخالص وقلبه المفتوح المتحرر أمام الجميع. 

هكذا خلّد السيد حيدر علي شهاب دعوته وحياته ، فكان سيد الأمة ومرشدها ومدير المجتمع ومربيها. شخصية سار مع قلب الأمة توعية وضميرها تجديدا، ولن يتراجع عن صلته المتين بالتراث. جمعنا الله معه فسيح جناته، آمين..


محمد مصطفى الهدوي
محاضر مجمع كي أم أو الإسلامي

إرسال تعليق

أحدث أقدم