واريان كنات كنج أحمد حاجي ثائر أقض مضاجع البريطانيين

 

ومن الحقيقة التي لا تجحد أن مناضلات شعوب 'مافلا' في ملبار   المستمرة  ضد احتلال البريطانيين الغاشم قد أثارت قلق العصابات  المتطرفة الهندوكية  منذ انطلاقها  عام ١٩٢١م.  ولقد صوروا تلك   الثورة الكفاحية بوجوه التعصب الديني والنضال الطائفي ، وشمروا   عن ساعدهم من أجل تشويهها أمام الجماهير الهندية بكافة أنواع الوسائل والطرق. ولقد تشكلت النزاعات المستجدة حول الثورة.  مليبار المشهورة بإزالة ٣٨٧ مناضلا مسلما شاركوا في هذه  الثورة وفقا لإيصاء المجلس الهندي للبحوث التاريخية التابعة لوزارة  التعليم، بمن فيهم عالي مسليار النلكتي وواريان كنات كنج أحمد  حاجي الذين كانوا قادة تلك الثورة العظيمة.

وفي غضون ذلك ،ظهرت صورة المقاتل المغوار واريان كنات كنج أحمد حاجي الذي أقض مضاجع البريطانيين في مناطق ملبار طيلة ثلاث عقود ،نتيجة جهد مستمر من الباحث وكاتب  السيناريو رميس محمد الذي قضى عشر سنين في البحث والتحري عن التاريخ المنسي للبطل المليباري  المهيب.وفي هذه المناسبة  التي يتم المناقشة عن البطل واريان كنات نحاول  تسليط بعض الضوء على حياته المليئة بالبطولات والمغامرات ومسيرته الكفاحية ضد الاحتلال والاستعمار.
 

ولادته

ولد واريان كنات كنج أحمد حاجي  في بلدة  نلكوت في منطقة منجيري بمليبار ابنًا لواريان كنات ميدين حاجي،وكنج عائِشُمّة. وهو ينتمي إلى عائلة ذاعت صيتها بالنضال والكفاح  ضد الاحتلال البريطانيين بالتواصل ,لقد اختلف المؤرخون  في سنة ولادته إلا أنهم يتفقون بأنها  قد تكون بين سنة ١٨٧٥ -١٨٧٧.وسبب المعروف لذلك أن البريطانيين أحرقوا كل ما يخص هذا البطل من البراهين والدلائل خوفا من أن يفضحوا أمام العالم بعدم استطاعتهم لإخضاع مناضل عادى، مثل وارين كنات، بأسلحة متطورة تمتلكون بحوزتهم.

 على الرغم  من أن واريان كنات كنج أحمد حاجي كان مناضلا يرعب قلوب البريطانيين إلا أنه لم يكن ينتمي إلى عائلة فقيرة أو إلى الذين حرموا من حصول التعليم والتربية الجيدة بسب الأوضاع الاجتماعية والعائلية مثل المجاعة والفقر،بل كان من عائلة ذائعة الصيت وذات الثروة إلى حد  تهتم لمنح التعليمات الابتدائية الدينية والمادية للأطفال أما تعليماته الابتدائية قد حصله من مدرسة كنمل تحت كنح كَمُّ مولوي، وقرأ عند مَمّد مسليار أخ عالي مسليار،وكان تلميذا عند عالي مسليار أيضا، وتعلم منه التعاليم الدينية والكتب العربية .وكان أسرته قد منحوا اعتبارا عظيما للتعليمات الابتدائيه حسب اعتقادهم وتراثهم.وقد تعلم اللغات في صغره كلغة العربية و الانلجليزية والمليالمية.

 وعند إمعان الأنظار إلى ممارساته الإبداعية،كان مولعا في الفنون الثقافية المليبارية العريقة في سن مبكر،كلعب داف،والأغنية،وممارسة كلري فايت من الألعاب المحلية بالإضافة إلى الرياضة والخُطبة،وهلم جرا.وكان يجيد في المصارعة حيث كان يفوز دائما في مصارعة المسمى بِ "بَدَ كلي". وبالنسبة إلى موهبته الغنائية كان يذهب إلى كالكوت و منجيرى وإلى مناطق أخرى في مليبار ليغني الأغاني.

وعندما نبحث عن تاريخ أسرته النضالي،كان أبوه أحد أبرز قادة المعركة التي وقعت في “ماناركاد” في مليبار سنة 1894م،حتى تم نفيه إلى جزيرة آندمان وتم مصادرة   أراضيه وجميع ممتلكاته ، عقابا عليه من قبل الحكومة الاستعمارية، فنشأ واريان كنات في بيئة  مضطربة مليئة بالأزمات والمشاكل، حيث تحدى أمامه عديد من العراقل والعقبات، مقاوما للظروف القاسية التي شكلت فيه شخصية تطمح إلى الحرية الكاملة وعدم التراجع والاستسلام لأي نوع من أنواع الخضوع والخنوع ، حيث كان قد أدرك مبكرا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن الاحتلال البريطاني الغاشم هو العدو الأكبر للأمة المسلمة أولا وللهند ثانيا.

كفاحه ضد براثن الاحتلال

نشأ واريان كنات مع نار الحقد التي تستعر في قلبه تجاه الحكومة البريطانية وإجرائاتهم الاستبدادية والاستفزازية وقد أظهر كرهه ضد الاحتلال بمشاركته في المناضلات التي اندلعت ضد البريطانيين .وقد شارك في الثورة الفلاحية التي قامت بمنجيري سنة 1896م،وكان عمره حينها عشرين سنة فقط، حيث كان هذا النضال أول نضال له، وقد قتل في هذه الثورة التي شارك فيها نحو مائة ثائر، أربعة وتسعين مجاهد مسلم،وقد نجا واريان كنات من هذا الأمر بصعوبة حيث استلقى مع الذين تظاهروا بالموت بين المقتولين.

فلما علم خان بهادور تشيكتي الذي اهتم بنفي أبيه إلى آنتمان بعد ثورة مناركاد،بأن واريان كنات الذي ظنوه قد مات لا يزال على قيد الحياة بذل ما بوسعه وقصارى جهده ليعتقله ويعاقبه بتحميل جريمة الثورة عليه.ولكن أنقذه من هذا المأزق الخطير عائلة أتان كركال الذين يحبوه، بصعوبة.ولكن بعد ذلك لم يتراجع البطل واريان كنات بل استمر في مكافحة الاحتلال البريطانية بكل طاقته وقوته، واستخدم في سبيله إبداعاته الفنية مثل الأغنية والخطبة.أنشد الأغاني الحربية مثل أنشودة غزوة بدر ،والأحد،وأنشودةنضال مالابرم ،وتشيرور التي تم حظرها من قبل الحكومة البريطانية.ومن هذه الممارسات القيادية أصبح واريان كنات كابوسا لقادة  الاحتلال والاستعمار حتى حاولوا لنفيه من ملابار باستعمال كافة الوسائل البشيعة .

فغادر واريان كنات بلده سنة 1899م بعد إجبار من عائلة أتان كركال ليكون الوسط هادئا مطمئنا،فذهب إلى بومبي ومن ثم إلى مكة، ومكث هناك ست سنوات ورجع سنة 1905م إلى مليبار.ولكن حكومة الاحتلال لم تأذن له أن يدخل إلى بلده نلِّكوت،وبالكاد استطاع أن يحصل إذنا ليفتح دكانا للبضائع خارج بلده.وكان يملك في هذه الفترة ،العديد من العربات الثورية ليحمل فيها  البضائع التي تذهب إلى كالكوت وفالكاد ، وكان محاطا بجواسيس الحكومة تحسبا لأي نوع من الكفاح والتمرد الذي قد يحدث منه بعد كل هذه الأحداث والمعانات.

وعند رجوع واريان كنات إلى البلد، كان أوضاع مليبار الاجتماعية انقلبت رأسا على عقب،حيث راح أحوال الفلاحين والكادحين مزرية ومعقدة أكثر من ذي قبل.ورغم أنه كان هادئا ولم يتدخل في المكافحات والشغوب التي تجري ضد الاحتلال كان يجري القضايا لأجل الفلاحين الفقراء في ملبار ضد الزمينداريين  المدعومة من قبل الحكومة البريطانية،بل كان له ليقص قصة المغامرات البطولية والقيادة الثورية العديدة،وكان يراسل في نفس الفترة مع علماء مليبار ليتولوا القيادة لأجل إشعال الثورة ضد البريطانيين.فعلم الزعماء وحاولوا لإلقاء القبض عليه،فغادر البلد مجددا وهاجر إلى المكة،ثم رجع عام 1914م.حينها كان ملبار يشتعل بنار الشغب المتواصل ضد الحكومة التي تحاول لقمعهم والسيطرة عليهم بأشنع الوسائل والطرق.

واشتد هذه المقاومة لما قام البريطانيون بتقسيم أهم أجزاء الدولة العثمانية بعد انتصارهم في الحرب العالمية الأولى وفقا لما يروق لهم ،وأدى ذلك إلى اندلاع اضطرابات واحتجاجات طاحنة ضد البريطانيين في جميع أرجاء العالم. فتم تشكيل حركة الخلافة في الهند كردة فعل لسياسة البريطانيين الخادعة وأصبحت محطة للممارسات النضالية في مختلف أنحاء الهند،وتجذرت جذورها في ملبار أكثر مما في ولايات هندية أخرى.وكان عالي مسليار،وواريان كنات كنج أحمد حاجي زعماء حركة الخلافة في ملبار حيث أجمعوا الشعب وقادوا الحركات النضالية ضد حكومة الاحتلال والاستعمار،

لقد بدأ واستهل الأحداث والوقائع المؤدية إلى ثورة مليبار العظيمة بشن هجوم شرطة البريطانية على الشعوب المتجمعة بترورونغادي دون سبب أو إنذار مسبق ،فتولى واريان كنات كنج أحمد حاجي قيادة الشعب الذي وقع في هوة الهلع والقنوط بعد هذه الحادثة المؤلمة .وقد خطط واريان كنات لمجابهة البريطانيين من نقطة لا يتوقعون أبدأ، حيث أحضر نحو مائة عسكري مسلح من شعب ملبار، خصوصاً من شعب "مافيلا" ، الذين قد سبق خدمتهم في الجيش البريطانية ولا يحصلون أجرا بعد تقاعدهم من قبل الحكومة البريطانية.ومن هذه قد أصبح المناضلات والشغوب منتظمة من ذي قبل.

بلد المالايالامية وواريان كونات

ولما بدأت الحرب التي طالت ست أشهر ضد البريطانيين  تقدم شعب مليبار الذين رزحوا تحت وطأة الاحتلال طوال قرن وثلاث عقود لمكافحة قوى البريطانيين عن بكرة أبيهم.وعلى هذا المنوال، اشتد النضال ضد عساكر البريطانية في ملبار خاصة في إقليمي إيرناد وولوناد حيث اضطر  البريطانيون للانسحاب من منطقة منجيري وما حولها بشدة المقاومة والمناضلة من قبل واريان كنات وعساكره المتدربة.وبعد الانسحاب البريطاني أعلن واريان كنات الدولة المليالمية التي تضم أكثر من مائتي منطقة في مليبار.وهذه الدولة دامت خمسة أشهر (من أغسطس ١٩٢١م إلى فبراير ١٩٢٢) تحت زعامة واريان كنات بنظام رائع وإداراة  تتمتع باالحكم الذاتي في ملبار، تبلغ مسافته تقريبا ٥٢٠٠ كيلومتر مربع, .وكان اسمه الأصلي هو  الدولة المليالمية.

لم يكن واريان كنات يستفيد بالدولة المالايالامية  وحركات الخلافة فرصة لتحقيق أهداف دينية أو إرساء سلطة طائفية،ولم يدر الدولة التي قام بتأسيسه باسم الخلافة أو الدولة الإسلامية في كل الظروف والأوضاع التي تحدت أمامه .ولكن حركاته كلها كانت لأجل تحقيق أمان شعبه،ضد سلطات البريطانية.ويسلط الضوء عليه قتل قائد الشرطة تشيكوتي الذي قام بنفيه ونفي أبيه،حيث نصب رأسه على الرمح وعرضه أمام الشعب ليكون عبرة لجميع الخونة والخادعين، واشتهرت خطبته التي ألقاها في منجيري بعد مقتل تشيكوتي، حيث تبرهن خطبته الشكل الأساسي والغاية الأصلية لدولته.

.خطبته كما تلي، " يا شعبي لقد عانينا كثيرا من الصعوبات،واضطررنا لنرزح تحت وطأة احتلال الأجانب ، كل هذا بسبب الحكومة البريطانية الغاشمة. علينا أن  ننهيها ، علينا أن نوقف كل المعاناة ، ولدي شيء آخر لأقول لكم.لا تقوموا بقتل الهندوس ولا تؤذيهم ، ولا تحولهم إلى الدين رغماً عنهم،فمن يقوم بذلك سيتلقى عقابه ، فإذا قمتم بإيذائهم فسوف تكون النتيجة أن ينضمو مع الحكومة،وهذا سيكون سببا لهزيمتنا.تذكروا، وهم أيضا يعانون مثلنا،وهم أيضا مواطنونا، فلا نريد بوجودهم أن نجعل هذه الدولة إلى دولة مسلمة,"

وفاته 

اشتعلت نار الثورة في ربوع ملبار حيث كبدت حركات واريان كنات وعصابته خسائر كثيرة لقوى البريطانية الاستعمارية إلى حد يضطر للانسحاب من أقاليم إيرناد وولوناد إلى كالكوت.وتمركزت العساكر البريطانية في كالكوت وطلبوا الجيش والأسلحة من مديرية مدراس المركزية.ثم انتقلوا بعساكرهم إلى ترورنغلدي وشنوا الهجوم على الشعب بأبشع وأشنع أنواعه،وبعد عشرة أيام استسلم عالي مسليار ، ولكن  واريان كنات قاوم حتى آخر أنفاسه  لأجل بلده وأمته حتى قبضوا عليه بتدبير المكر والحيلة.

وقد سجل في أوراق التاريخ مقولته الشهيرة التي قالها للجنود البريطانية لحظة إعدامه ” كنت سمعت عنكم أنكم تطلقون النار من الخلف، لكني أنا أفضل أن أموت وأنتم تطلقون على صدري”.ووقف شامخا أمام الجنود ولم يخضع للوعود التي قطعوا له للعفو عنه ،ولم يستسلم ولم يتراجع عن القضية التي يؤمن بها طوال هذه الأوقات ،فرحل الحاجي بالهدوء إلى العليين تاركا أمامنا بصمة بتأسيسه دولة وأمة،خاف الاحتلال حتى وفاته فأحرق جسده حتى لا يبقى من جثته أي شيئ ،رحم الله البطل الشهيد وأحسن الله إليه جزاءه.

المصادر 

سلطان واريان كنات، رميس محمد

تمرد ملبار ، ك. مادوان ملبار

مافيلا ملبار ،رولند إ .ملر


 إقبال فاليري
   طالب في جامعة عين الهدى كاباد

إرسال تعليق

أحدث أقدم