قيمة الوقت في حياة المسلم


 الوقت عند المسلمين نعمة عظيمة من نعم الله ، فيه تؤدى العبادات كلها، وترتبط فيه ارتباطا عميقا، فنجد أن لكل عبادة شرعها الله عز وجل وقتا محددا تؤدى فيه، ولا يصح لنا تغييره أو تقديمه وتأخيره، فالصلاة على وقتها خمس مرات في اليوم والليلة، والصيام في شهر رمضان، والحج في موسمه من كل عام، وكذلك باقي العبادات، وهذا يدل على القيمة العليا للوقت، والحرص على إدارته واستثماره بالشكل الصحيح، فالإنسان مسؤول عن هذا الوقت، وما الذي فعله فيه، وعمره هو وقته الذي عاش وعمل فيه، وكذلك علمه وماله حصل عليهما ضمن هذا الوقت.

يعد الوقت أثمن ما يملكه الإنسان في حياتنا على الإطلاق، وهو مادة حياته، ولحظته التي يعيشها الآن، حيث إنه سريع الانقضاء بانتظام، ولا يستطيع استعادته، أو إرجاع جزء منه، أو زيادته ومضاعفته، أو حتى بيعه وشراؤه وتأجيره، ودونه لا يمكننا فعل أي شيء؛ فهو رأس مال الحياة وأساسها، ويجب عدم تجاهل تنظيمه أو تضييعه فيما لا يفيد، فالشخص الناجح الموفق هو من يستطيع تنظيم أولوياته، وتوظيف وقته، واستغلاله بطريقة مثلى دون تفريط فيه. الوقت هو الحياة، فإن ضيعناه فقد نضيع حياتنا، وإن استثمرناه بشكل مفيد نيني به حياتنا، وكما يقولون الواجبات أكثر من الأوقات. ومن هنا حض الإسلام على المبادرة بالعمل الصالح وعدم ضياع أي لحظة من لحظات العمر في غير ما يفيد .

ومن مظاهر هذا ما جاء في حديث البخاري: ("نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ")، نسطتيع أن نري في شرح هذا الحديث للامام بخاري نعمتان من نعم سبحان هو تعالى على الإنسان لا يعرف قيمتهما، ويخسر فيهما أشد الخسارة، وهما صحة البدن وفراغ الوقت، فإن الإنسان لا يتفرغ للطاعة إلا إذا كان مكفيا صحيح البدن، فقد يكون مستغنيا، ولا يكون صحيحا، وقد يكون صحيحا ولا يكون مستغنيا، فلا يكون متفرغا للعلم والعمل؛ لشغله بالكسب، فمن حصل له الأمران وكسل عن الطاعة فهو المغبون،أي: الخاسر في التجارة .

وقد كان السلف رضوان الله عليهم يعرفون قيمة الزمن وأهميته، قال شعبة ("لا تجلسـوا فارغين فإن الموت يطلبكـم")، وقال الحسن: " ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك".    

فالحرص على الوقت من شيم الرجال، الذين لا يفرطون ولو في دقيقة، حتى لا تمضي دون عمل نافع في الدنيا والآخرة. ينما نرى في حياتنا أشخاصا كثيرا يضيعون أوقاتهم في أمور غير فائدة، وهؤلاء لا يعرفون قيمة الوقت أو حتى قيمة حياتهم، فيهدرون أوقاتهم في أمور لا فائدة فيه.ونوع من الناس يقضون أوقاتهم في الحقارات التي لا تفيد،حيث أن الاستمرار فيها لمدة أزيد من المعقول يعتبر مضيعة للوقت مثل الجلوس طويلًا في المقاهي وأماكن اللهو، والإسراف والتبذير في ذلك !.

إننا ندهش أيضا من الشباب خصوصا، الذين لا يعرفون كيف يستعملون أوقاتهم في شيء نافع، ويخرجون من يوتهم بلا غرض أو هدف، يبحثون عن وسيلة يتخلصون بها من الملل، ويفرحون إذا ما وجدوا شيئا يقتلون به الوقت! ألا يعلم هؤلاء أن قتل الوقت هو قتل لجزء مهم في حياتهم، فهؤلاء لا يدركون بعد طعم الحياة الحقيقية، كما لم يدركوا الهدف الذي  خلقهم الله من أجله! 

ومن أمثلة إضاعة الوقت: الأحاديث العادية المملة، وقد تكون في أمور تافهة لا تفيد قائلها ولا سامعها! أو شخص يسأل عن موضوع ما، فبدلًا من أن يجيب بكلمة، يحول الإجابة إلى نوع من المحاضرة.

الإنسان الحكيم يقيم توازنا في تنظيم وقته، وكما قال سليمان الحكيم "لكل شيء تحت السموات وقت: للكلام وقت، وللصمت وقت".  فلا يكون اللهو في وقت الاستذكار، ولا قراءة الجرائد في وقت العمل، ولا المزاح في وقت الجدية، بل يختار الشخص العمل المناسب في الوقت المناسب. وعلى كل شخص أن يراعي العدل في توزيع الوقت على كافة واجباته ومسؤولياته، بحيث لا يهمل أحدا منها بسبب انشغاله بغيرها.

إن التوازن بين وقت التعب ووقت الراحة، أمر مهم في حياة كل إنسان. فلا يتمادى في الراحة بحيث يصل إلى الكسل والإهمال، ولا يتمادى في التعب بحيث يصل إلى الإنهاك والإجهاد. فيكون له وقت للتفكير العميق، ووقت للاسترخاء من كل ما في الذهن.

ومن عوامل تضييع الأوقات عدم وجود أهداف أو خطط محددة، هذا يجعل حياة الإنسان متخبطة حيث لا يعرف لها هدفا فلا يركز على أعمال معينة بل يجرب كل شيء ويعمل كل شيء، والنتيجة أنه لا ينتج أي شيء، وأيضا التكاسل وتأجيل العمل، وهذا أشد معوقات تنظيم الوقت واستغلاله، وكذلك النسيان وهذا يحدث لأن الشخص لا يدون ما يريد إنجازه، فيضيع بذلك الكثير من الواجبات، وكثير من الذين يدونون أعمالهم ومواعيدهم نجحوا في تجاوز مشكلة النسيان.

لقد اهتم الإسلام بالوقت بإتاحة أهمية بالغة له، وأقسم الله به في آيات كثيرة بالوقت، فقال تعالى: { والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (۲) } وإذا فحصنا في تفسير هذه الآية نجد أن الله تعالى أقسم بالوقت الذي هو في محل حياة الإنسان ومحل اختباره في هذه الدار ، وفيه تسجل كل الأفعال والأقوال والمواقف والتي تمثل في مجموعها قصة كل فرد وما سيوضع في ميزانه يوم القيامة من خير وشر. والمقسم عليه  الذي هو 'أن الإنسان في خسران مبين', إما جزئي أو كلي، ويكون الخسران كلياً إذا أعرض العبد عن الله ومات على ذلك دون أن يتوب إلى الله .

 فيجب أن نعلمه ونعقله أن حياتنا هذه ليست سدى، وإذا انتفعنا بمرور الزمن على خير وجه، نُخطّط لأنفسنا خلودا في الآخرة ونفعا في الدنيا. وبالجملة يجب علينا أن نعطي للوقت حقه من الترتيب والتنظيم الشامل حتى نكمل حياتنا بشكل أفضل وبصورة لائقة.


محمد مدلاج ك. س 
طالب في كلية الانصار العربية

إرسال تعليق

أحدث أقدم