مشاهد ومواقف من رحلتي إلى القاهرة



في مساء (الجمعة) 12/11/2021م بدأت الاستعداد لمغادرة السودان إلى مصر، وقمت بالتوجه إلى مكتب الحجر ثم توجهنا إلى الميناء بأمدرمان (غربي العاصمة). كانت ليلة عصيبة تلتها مظاهرات في الخرطوم وسبقها توتر وإغلاق تام في العاصمة وواجهنا صعوبة كبيرة في الوصول إلى الميناء. وصلت إلى الباص ووضعت أمتعتي وجلست لتناول الشاي في انتظار المغادرة وأنا أتخيل ما الذي سوف يواجهنا في الطريق وكيف ستكون الرحلة وقبل أن أكمل كوب الشاي أخذ الباص بإخطار المسافرين بالتحرك .

بدأنا بالتحرك ولكن سرعان ما توقف الباص وتم نقلنا إلى شركة أخرى لقلة المسافرين في الشركة التي حجزت بها، وظللنا ننتظر حوالي ساعة ونصف حتى التحرك مرة أخرى في تمام الرابعة صباح السبت. لم نكن قادرين على رؤية شيء لتعبنا الشديد حتى نام جميع من في الباص ولم أكن أعرف هذا الطريق حيث لم أسلكه من قبل.

توقفنا في منطقة ليس بها سوى نسمات البرد القارص والرمال وبعض أصحاب المأكولات والسيارات التجارية والشاحنات، صلينا بها الصبح وبعدها واصلنا السفر مرة أخرى ونحن في جوف الصحراء ليس أمامنا شيء سوى النوم ، وصلنا منطقة تناولنا فيها وجبة الإفطار ولم أشاهد شيئا بعد ذلك سوى الحلم الذي رأيته في منامي.  ولما استيقظت وجدت نفسي في منطقة من مدن الولاية الشمالية، ثم عدت لمواصلة النوم فليس لدينا شيء يمكننا فعله سوى النوم والنظر إلى الصحراء وبعد مدة طويلة تفتحت عيناي على لافتة مكتوب عليها طريق دنقلا- أرقين هذا يعني أننا في دنقلا عاصمة الولاية الشمالية.

 ثم توقفنا لحدوث عطل صغير في الباص وقمنا جميعنا بمشاركة السائق في إصلاح العطل، ثم واصلنا مسيرنا وبدأت الشمس بالمغيب بعدها لم أستطع النوم وكان كل من حولي نائمين، قمت بوضع ما كنت أسكت به جسمي من البرد في المقعد المجاور .وكنت طوال الرحلة أسائل نفسي عن موعد الوصول إلى المعبر ولم أكن مطمئنا إلى حد ما، وكانت شمس (السبت) قد أخذت في الرحيل وحل مكانها القمر.

وصلنا أرقين المعبر الذي يربط بين مصر والسودان ثم توقف الباص لبدء إجراءت الخروج وتأكد السلطات من فحوصات كوفيد 19، وهذه هي أول الإجراءات التي بدأنا بها، من ثم توجهنا إلى صالة المغادرة لإجراءات الخروج وشهادة أداء الخدمة الوطنية وبعد ذلك إلى صالة أخرى لملء استمارة خاصة وختم الجواز بالخروج ثم التوجه إلى صالة التفتيش لإنهاء إجراءات السفر، ثم التوجه إلى بوابة المعبر المصري حيث ينتظرنا الباص وقمنا بدفع رسوم دخول المعبر المصري ثم قمنا بنفس الإجراءات الأولى ما عدا ختم الدخول إلى مصر.

تأخرنا في بدء الإجراءات في المعبر المصري لتأخر السائق الذي كان يواجه مشكلة خروج في المعبر السوداني وتأخرنا حوالى ساعتين أمام المعبر المصري وأخذ بعض المسافرين في الشجار مع السائق لكنه كان حكيما بادر بالاعتذار ثم شرح الموقف الذي حدث معه.

كانت ليلة متعبة يكسوها البرد والمواقف المعقدة ، بعد ذلك ذهبت مع السائق لدفع رسوم الدخول التي جمعها المسافرون معي واستلمت إيصالات الدفع من قبل المتحصل المصري ودخلنا المعبر.أخيرا بدأنا أول الخطوات بالتفتيش وبعد ذلك جمع الضابط جميع الجوازات وبعدها توجهنا إلى تناول الطعام ثم عدنا لاستلام الجوازات التي تأخرت حوالي ثلاث ساعات في هذه الفترة ، تواصلت مع أهلي لكي أطمئنهم ثم صديقي أحمد بابكر وقمت بوداعهم لأبدأ رحلة وحياة جديدة، جاء الضابط وقال إن هنالك شخص واحد لم يسلم جوازه فقد كان عدد الركاب 22 وتم جمع 21 جوازا فقط وهذه المشكلة أخرت رحلتنا حتى الحادية عشرة ليلا.

قمنا بالتحرك نحو أسوان، وعاد جميع المسافرين عدا السائق إلى النوم لم يكن لدينا قدرة على النظر إلى الطبيعة بسبب الظلام. في تمام الساعة الثالثة صباح (الأحد) وصلنا منطقة كركر في محافظة أسوان وتعتبر ميناء للبصات السودانية المصرية. صلينا الصبح وعدنا للركوب في الباص الآخر الذي سوف يوصلنا إلى القاهرة. انتظرنا حتى الشروق ولم يأت صاحب الباص، نزلنا لتناول الشاي في ذلك البرد القارس ثم جلسنا في مظلة لشخص يبيع الأكل والمشروبات الساخنة وأخذنا في حكاية المواقف التي حدثت معنا طوال الرحلة، ومنها ما حدث معي أثناء جمعي للرسوم من الركاب.

وهنالك من لم يقم بدفع المال حتى قمنا جميعنا بدفع الفارق وتخوين من كان السبب ،وبعدها حكينا القصص والنكات بعد أن قالوا لنا إن الباص سوف يقوم برحلته الصبح (باللهجة المصرية) ثم بدأنا بالتفكير في تناول الأكل وبدأنا في التعاون بجمع المال والطعام حتى قمنا بصنع وجبة سودانية أسكتنا بها الجوع، قبل ذلك قدمنا شكوى لسلطات الميناء لعدم تحرك الباص، وتم وعدنا بالحل وقبل أن نحتسي الشاي الذي قمنا بطلبه من صاحب المظلة جاء صاحب الباص يستعجلنا إلى التحرك.

تحركنا من منطقة كركر (أسوان) باتجاه القاهرة، وبدأت رحلة جديدة والاستعداد لحياة جديدة سوف تواجهني ولكن لم نستمر كثيرا في السير حتى توقف الباص لمساعدة باص آخر قد تعطل في الطريق وهذا ما أخرنا إلى العصر. واصلنا سيرنا مرة أخرى وهنا عم الصمت وكأن الجميع على وشك النوم بعد هذه الرحلة الطويلة. أما أنا فقد كنت أفكر في مستقبلي الجديد وما التغيرات التي سوف تحدث في حياتي بعد المعيقات والمشاكل التي واجهتني وأوقفني عن الدراسة وما تعرضت له من تعطيل.

 وأتأمل المدن المصرية التي مررنا بها ودخل الليل ونام الجميع مرة أخرى ونمت أنا أيضا حتى وصلنا القاهرة صباح (الاثنين) بعد يوم كامل على الطريق من أسوان وكان البرد شديدا،كنت أفكر في طريقة الوصول إلى المنزل وأنا متعب من السفر والبرد، أوقفت تاكسي وأعطيته العنوان، وعندما وصلت إلى المنزل لم أفعل شيئا سوى تغيير ملابس السفر والنوم طوال النهار.

في الأيام التالية، بدأت رحلة البحث عن عمل بمساعدة من كان معي وبعض أصدقائه السودانيين المقيمين في القاهرة وأمضيت نحو أسبوعين دون عمل. في زيارة إلى أحد معارفي في مقر عمله لكسر الروتين والملل ، حتى جاء لي صاحب المتجر الذي يعمل فيه صديقي وسألني عن عملي، فأجبته بأنه ليس لدي عمل، فقال لي هل تعمل معنا؟ ودعاني إلى العمل معه في متجره.

من هنا بدأت مسيرتي العملية في عالم تجارة البدل والملابس الرجالية في متجر (روللي)، وأخذت في التعرف على معالم المدينة والاندماج مع فريق العمل حتى تم اختياري إلى السفر إلى محافظة بني سويف بعد شهر واحد فقط من عملي في المتجر.


أيمن حمّاد

 سوداني مقيم بالقاهرة

إرسال تعليق

أحدث أقدم