الوقف في التاريخ الإسلامي


عندما نمعن النظر في الواقعات والمظاهرات التي حدثت في ولاية كيرالا في الأيام الماضية، التي سادت الأمة الإسلامية الكيرالية كلها بشكل غير مسبوق  في التاريخ إلى التغييرات والوحدة الاجتماعية في موضوع الوقف، وفي هذه الآونة من الجدير بيان تاريخ الوقف وما إليه من الواقعيات التاريخية.

من السمات العظيمة للمجتمع الإسلامي ما يعلنه عن الأخوة والمساواة والتعاون والحب والرحمة. الوقف الذي أدخله الإسلام هو نظام اقتصادي عظيم. الوقف للمؤمنين أن يحتفظوا بنصيب من أموالهم، وأن يتنازلوا عن الملكية إلى الله تعالى دائما، والوقف من أكثر الأعمال الخيرية ثباتاً ونفعًا ومكافأة

 تاريخ الوقف

يبدأ تاريخ الوقف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وأشهدهم مثالا عمليا للوقف لأصحابه وأتباعه من بناء مسجد قباء، وأتبعه تابعوه المتحمسون لإحياء هذا الدين المجيد بالتعاليم النبوية العلياء. والمؤمنون الذين وصلوا إلى المدينة كانوا يعتمدون بئرا لماء الشرب، ولكن اليهودي صاحب بئر روما استغل عليها بالعُجب، فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه فوقفها للمجتمع ملجأ ومآبا، ومن الحقيقة الظاهرة كضوء الشمس في رابعة النهار تاريخ بستان بيروخاء لأبي طلحة رضي الله عنه.

قدم الصحابة نماذج الوقف الجميلة ويشهد الصحابي الجليل جابر رضي الله عنه أنه لم يكن أحد من الصحابة من لم يقفوا بأي وجه ولو قليلا،  ويتضح لنا من التاريخ أن مجتمع المؤمنين اعتنق هذه القداسة في الآونة الأخيرة بحماسة،  في بداية من العصر الأموي عندما اتسعت دائرة الأوقاف المنظمة. قدم الخليفة هشام بن عبد الملك نظاما خاصا مكتبيا، لإدارتها والإشراف عليها سياسيا وبعد ذلك ازداد اهتمام المؤمنين بالوقف في العصر العباسي والفاطمي والعثماني مما أدّى إلى توسيع مناطق الوقف بأكملها، وكتب الرحالة ابن بطوطة: إن وفرة الأوقاف الدمشقية وتنوعها لا يمكن قياسها أو احتسابها.

ومما يشهد الباحثون في هذا المجال أنه مع بداية القرن التاسع عشر أصبح ثلثا أراضي الخلافة العثمانية أراض موقوفة، وللوقف دور مهم في تمكين المرأة الحقيقية وتشهد الأستاذة "ميري آن في" الأمريكية، ومن الأمر العجيب منح حقوق الملكية الخاصة للمرأة في منتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. بل العالم الإسلامي منح هذه الحقوق لجميع النساء المسلمات في القرن السابع، حتى أنّهن مارسن هذه الحقوق بالرشاقة والحرية اجتماعيا من خلال الوقف والجمعيات الخيرية.

لعب الوقف دورا رئيسيا في تحقيق التقدم الاجتماعي والتنمية الوطنية ونمو التعليم والتوازنات الاقتصادية. على مر الايام ومضي الأزمان استخدم الوقف بشكل رئيسي في مجالات التعليم والغذاء والمأوى والصحة ودور العبادة.

الوقف تنوعت مجالاته في مختلف العصور لما فيها من الثقافات والأحوال المختلفة المتنوعة، وكان الوقف في العصر الأول في أوائل الوقفيات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وكانت تشمل المساجد والمزارع وغيرها. وكثرت الأوقاف في العصر الأموي كما ذكرنا بالفتوحات الإسلامية شرقا وغرباً وأسست إدارة خاصة للإشراف على الأوقاف، وخضعت إدارة الأوقاف لإشراف السلطة القضائية مباشرة. وقد ازداد التوسع والاهتمام بإنشاء الأوقاف في العصر العباسي، وكان يتولى ديوانها صدر الوقف، واشتملت مصارف ريع الأوقاف الحضارية المدنية كالمستشفيات والمكتبات ومدار الترجمة والمعاهد العلمية وما إلى ذلك.  وفي عصر المماليك اتسع الوقف إلى أدوار مختلفة وهي ديوان لأحباس المساجد وديوان لأحباس الحرمين الشريفين وجهات البر المختلفة وديوان للأوقاف الأهلية.

أما الدولة العثمانية فقد اعتنت بالأوقاف وربتها حق التربية واستخدمتها في الخدمات الطبية لمستشفيات قائمة، وموادا للتطوير والتقدم العلمي.

المجالات الصحية

وكانت ميزة أخرى للحضارة الإسلامية هي المستشفيات الجادة المتجهزة، وكانت جميع الخدمات فيها مجانيًا، بما في ذلك الأدوية والعلاج والإقامة وقد استفادت منه جميع فئات المجتمع، بغض النظر عن الديانة أو الجنسية أو اللغة من العالم وكان تاريخ وجود هذه المستشفيات من خلال دخول الوقف مصدرًا لطلاب الطب من مختلف أنحاء العالم.

إذ أحيا الوقف هذه الممارسة النبوية بالتعاليم التاريخية، وأصبح المجتمع المسلم قادرًا على تقديم بديل جديد ليس فقط في مجال التعليم ولكن في مجال الخدمات الصحية أيضا، بل في الأنشطة التقدمية للأمة.

تعد جامعة حمدارد في دلهي مثالاً ساطعًا على كيفية المشاركة الجلية لحكيم عبد الحميد ومؤسسة ثقافية وكلية الماجدية الطبية، كلية الهندسة في ميوات، التي أسسها مجلس الوقف في هاريانا أمثلة حديثة في هذا المجال.

وهناك العديد من المبادرات والتطورات التعليمية التي أنشأها الوقف في ولاية كيرالا لكنها لا تستخدم ولا تعتمد على الأوقاف بل تعتمد هذه المعاهد على الملتزمين بنفقاتها اليومية.

- المصادر والمراجع:

سبرابرادم الجريدة اليومية بكيرالا

من تاريخ الوقف، منصة وقفنا

وقف، ويكيبيديا


بقلم: زبير بن عبد العزيز 

باحث قسم اللغة العربية وآدابها

جامعة دار الهدى الإسلامية كيرالا 

3 تعليقات

  1. ما شاء الله
    بورك في جهد الكاتب والمجلة

    ردحذف
  2. معلوم جدير...وخدمة رائعة... بارك الله فى من وراءها.

    ردحذف
أحدث أقدم