قمر الدجى


 
قَمَرٌ جَلاَ بِدُجَى الضَّلاَلِ يُبِيدُها


بَشَرٌ عَلاَ قِمَمَ الْكَمَالِ يُفِيدُهَا


وَغَدَا يُؤَرِّقُنِي الرَّبِيعُ هِلاَلُهُ


فَبِطَيْبَةَ الخَضْرَا يَنَامُ مَلِيكُهَا


عَشِقَ الْفُؤَادُ فَبَاتَ يَعْشِقُ وَصْلَهُ


فَسَرَى الخيَاَلُ، فَفِي العُيُونِ دُمُوعُهَا


نَزَلَ الحَبِيبُ مُحَمَّدٌ بِرِحَابِهِ


فَبِهِ الهُمُومُ جَلَتْ، وَزَالَ ثَقِيلُهَا


لِمَ لاَ؟ فَرُوحِي غُذِّيَتْ بِـمُحَمَّدِ


وَبِهِ يَطِيبُ عِلاَنُهَا وَسَرِيرُهَا


بَشَرٌ عَلَى قَدَمٍ مَشَى، وَبِرُوحِهِ


عَرَجَ العُلَى عَجَزَ الأَنَامُ بُلُوغَهَا


قِيَـماً عَلَتْ قِيَمَ العَوَالِـمِ كُلِّهَا


شِيَماً غَلَتْ بِيَسِيرِهَا وَجَلِيلِهَا


بَشَرٌ وَلَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ بِمِثْلِهِ


قَمَرُ الهُدَى طَلَعَ القُلُوبَ يُضِيئُهَا


عَلَمٌ وَقَدْ أَمِنَ الأَنَامُ بِظِلِّهِ


وَبِهِ أُعِيدَ إلىَ الْبِلاَدِ هُدُوؤُهَا


أَتَرَى لِمَكَّةَ عِزَّهَا وَأَمَانَهَا


وَتَرَى لِطَيْبَةَ رَوْحَهَا وَنَسِيمَهَا


وَعَلَيْهِ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ خَاتَمُ


فَبِهِ خِتَامُ نُبُوَّةٍ وَوَمِيضُهَا


نَبَعَتْ عُيُونُ بَلاَغَةٍ بِلِسَانِهِ


بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ الْعَمِيمِ دَلِيلُهَا


وَإِذَا الْيَتَيِمَ حَبَا عَلَيْهِ يَمِينُهُ


عُرِفَ الْيَتِيمُ مُعَطَّراً بِمَسِيسِهَا


حَكَتِ الحَرِيرَ نُعُومَةً وَلِيَانَةً


حَكَتِ الرِّيَاحَ بِنَفْعِهَا وَبِجُودِهَا


وَبِهَا أَشَارَ إِلىَ السَّمَاءِ فَأَمْطَرَتْ


وَأَشَارَ أُخْرَى فَاسْتَجَابَ غُيُومُهَا


وَمَسِيرُ شَمْسٍ إِذْ أَشَارَ بِهَا انْتَهَى


وَتَشَقَّقَ القَمَرُ الْمُنِيرُ يُجِيبُهَا


وَبِهَا العُيُونُ جَرَتْ لِسَقْيِ جُيُوشِهِ


وَبِهَا الحَصَى جَهَرَتْ لَهُ تَسْبِيحَهَا


وَبَكَى الْبَعِيرُ إِلَيْهِ يَشْكُو رَبَّهُ


وَجُذُوعُ نَخْلٍ قَدْ بَكَتْ بِحَنِينِهَا


وَسَرَى إِلىَ مَلِكِ المُلُوكِ بِلَيْلَةِ


لِيَرَى عَجَائِبَ مُلْكِهِ وَيُبِينَهَا


عَرَجَ السَّمَاءَ عَلاَ الْعُلَى بِنِعَالِهِ


فَغَدَا جَمِيعُ خَلاَئِقٍ بِظَلِيلِهَا


وَإِذَا الْعَوَالِـمُ أَظْلَمَتْ بِضَلاَلَةِ


بُعِثَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ لِيُزِيلَهَا


تَرَكَ الحَنَادِسَ فيِ "حِرَا" مُتَحَنِّثاً


فَأَتَى الأَمِينَ مِنَ السَّمَاءِ أَمِينُهَا


فَبَدَا الصَّبَاحُ عَلَى الضَّلاَلَةِ مُشْرِقاً


وَغَدَا الضِّيَاءُ عَلاَ القُلُوبَ يُنِيرُهَا


وَأَتَى لِطَائِفَةٍ تَزَايَدَ غَيُّهَا


عَكَفَتْ عَلَى الْعُزَّى مَنَاةَ تُطِيعُهَا


فَشَتِ الفَوَاحِشُ وَالجَرَائِمُ وَالرِّبَا


تَئِدُ البَنَاتِ، وَبِالخُمُورِ مَعِيشُهَا


قَطَعَتْ حِبَالَ مَوَدَّةٍ فَتَضَارَبَتْ


فَغَدَا القِتَالُ هَلاَكَهَا وسُلُوكَهَا


وَإِذَا الهِدَايَةُ قَدْ أَضَاءَتْ حَوْلَهَا


نَهَضَ الْعِدَى رُعُباً لِتُطْفِئَ نُورَهَا


فَدَعَا الإِلَهَ لِكَيْ يُتَمِّمَ نُورَهُ


فَدَعَتْهُ طَيْبَةُ كَيْ يَطِيبَ بِطِيبِهَا


عُدَداً أَعَدَّ عُدَاتُهُ لِقِتَالِهِ


مَدَدُ الإِلَهِ عَلاَ جَمِيعَ دُرُوعِهَا


ِقَبَضَ الحَصَى بِيَمِينِهِ وَرَمىَ بِهَا


قِبَلَ الْعِدَى فَإِذاَ الحَصَى بِعُيُونِهَا


وَرَدَتْ لِبَدْرَ تَجَهَّزَتْ وَتَبَطََّرَتْ


طَرَباً بِلَعْبِ إِمَائِهَا وَعَبِيدِهَا


وَإِذاَ الرَّسُولُ دَعَا بِوَضْعِ جَبِينِهِ


فَإِذَا السَّمَاءُ تَشَقَّقَتْ بِأَمِينِهَا


مَعَهُ المَلاَئِكَةُ الْكِرَامُ تَرَادَفَتْ


تَبِعَتْ رُؤُوسَ ضَلاَلَةٍ لِتُبِيدَهَا


فَغَزَا المَلاَئِكُ وَالصِّحَابُ تَكَاتَفَتْ


فَعَلاَ شِعَارُ هِدَايَةٍ وَبَرِيقُهَا


فَقَنَاهُمُ شَبِعَتْ بِلَحْمِ غَوَايَةِ


وَسُيُوفُهُمْ بدِمَائِهَا وَدُمُوعِهَا


فَغَدَا الْعِدَى عَمِدُوا الفِرَارَ تَفَرَّقُوا


فَرَقاً، وَصَارَ مَسِيرُهُمْ لِقَلِيبِهَا


وَسَلِ المَعَارِكَ كَيْفَ دَارَ بِهَا الرَّحَى


بِجُنُودِ حَقٍّ، وَالرَّسُولُ يَقُودُهَا


وَبِجَنْبِهِ أَنْصَارُهُ وَمُهَاجِرَة


أُسُدُ الحُرُوبِ إذَا لَظَتْ بِلَهِيبِهَا


فِئَةٌ تَرَبَّتْ فيِ ظِلاَلِ مُحَمَّدِ


رَكِبَتْ بِحَارَ شَرِيعَةٍ بِغَويصِهَا


فَتَحُوا المَشَارِقَ وَالمَغَارِبَ جُلَّهَا


غَلَبُوا البِلاَدَ بِمُلْكِهَا وَمُلُوكِهَا


وَقَضَى الإِلَهُ بِفَتْحِ مَكَّةَ لِلْهُدَى


فَبِصَحْبِهِ زَحَفَ الرَّسُولُ يَرُومُهَا


وَإِذَا بِمَكَّةَ وَهْيَ تَغْسِلُ وَجْهَهَا


وَتَزَيَّنَتْ كَيْ تَسْتَضِيفَ عَظِيمَهَا


تَرَكَ اللَّذَائِذَ وَالزَّخَارِفَ زَاهِدًا


رَغَدَ الحيَاَةِ قَنَاعَةً بَيِسيرِهَا


وَتَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ مِنْ طُولِ الْعَنَا


بِصَلاَةِ لَيْلٍ حُسْنِهَا وَبِطُولِهَا


هُوَ ذُو الوَسِيلَةِ وَالفَضِيلَةِ وَاللِّوَا


وَشَفَـاعَةٍ يَصِلُ الأَنَامَ نَصِيبُهَا


أَضِيَاءُ أَقْصِرْ عَنْ بُلُوغِ خِصَالِهِ


أَتَرَى تَفُوزُ بِسَرْدِ عُشْرِ عَشِيرِهَا


فَإِلَهَنَا اجْزِ نَبِيَّنَا عَنْ أُمَّتِِهْ


مَعَهُ اجْمَعَنَّا فيِ الجِنَانِ نَعِيمِهَا


وَعَلَى الرَّسُولِ صَلاَتُهُ وَصِلاَتُهُ


وَذَوِيهِ صَحْبٍ تَابِعِينَ ذَوِي نُهَى


ضياء الدين الفيضي
أستاذ في جامعة نورية

1 تعليقات

أحدث أقدم