الاعتبارات القرءانية في القصيدة العمرية صلى الإله

 


بسم الله الرحمن الرحيم،   قال الله تعالى فى القرءان الكريم - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا- مستثنيا من الشعراء الذين يتبعهم الغاوون وفى كل واد يهيمون ويقولون مالا يفعلون وقال صلى الله عليه وسلم إن من الشعر حكمة ( ابن ماجه 622)

يتضح لنا من خلال هذه النصوص المحكاة أن للشعر ناحيتين من الإيجابية والسلبية من منظور إسلامي. أما الأولى ما يسوق المتناول إلى أبواب الحسنة والثانية ما يسوقه إلى أبواب السيئة.  وتتضمن  الناحية الإيجابية من العلماء الأعلام الذين حاولوا من خلال أشعارهم أن يحي الإسلام . وإنهم على قسمين، الأول : الفقهاء الشعراء  والثاني : الشعراء الفقهاء. أما الأول يشتمل على من بلغ في العلم والشعر ما بلغ حتى لا يتميز ما هو الأبلغ . إنهم لا يقتصرون حياتهم النفيسة فى إنشاد الأشعار وكتابتها وظيفة.  بل يخوضون فى الاجتهاد والاستنباط ويرسخون في العلوم والمعارف وربما ينشدون مقتطفات الأشعار من مشاعريهم المخلصة الأطهار التي  هي جديرة بالحكم المستوعبة وخليقة بالنصح المسترشدة. كان القاضى عمر البلنكوتى من أجلهم قدرا وأوفرهم حظا.

ويلتزم كونه من الفقهاء الشعراء أن يكون معتمدا على الاعتبارات القرءانية من ألفاظها وأساليبها.نجد هذه الميزة العظيمة في قصيدته " صلى الإله "  التي وصفها العرب بالقصيدة العمرية  من المهد إلى اللحد.

إن البيت الأول مشحون بألفاظ القرءان

صلى الإله على ابن عبد الله ذي                     خلق بنص الله كان عظيما

فظا غليظا لم يكن بل لينا                             برا رؤوف للمؤمنين رحيما 

انظروا إلى هذا البيت . قد امتاز القاضي من خلال هذه الطليعة البديعة  عن غيره من سائر المداح الحذاق حيث أمكن أن يشمل على ستة أنواع من الصفات الفائقة الموافقة  لخلق النبي الكريم صلي الله عليه وسلم سواءا بما وصف به الله تبارك وتعالى في قرءانه المجيد.

الأولي:  كان خلقه عظيما. مصداقا لقوله تبارك وتعالي  في سورة القلم إنك لعلي خلق عظيم

لماذا وصف الله تعالي بصفة العظمة دون غيره؟ قال الإمام الفخر الرازي إن الله تعالى وصف ما يرجع إلى قوته النظرية بأنه عظيم، فقال: وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (النساء: 113) ووصف ما يرجع إلى قوته العلمية بأنه عظيم فقال: وإنك لعلى خلق عظيم فلم يبق للإنسان بعد هاتين القوتين شيء، فدل مجموع هاتين الآيتين على أن روحه فيما بين الأرواح البشرية كانت عظيمة عالية الدرجة، كأنها لقوتها وشدة كمالها كانت من جنس أرواح الملائكة.  وفي روح البيان للإمام اسماعيل الحقي البروسوي رحمه الله كان خلقه عظيما لأنه مظهر العظيم فكان الخلق العظيم عظيما ،وفى تلقيح الأذهان لحضرة الشيخ الأكبر قدس الله سره الأطهر ، أوتى عليه السلام جوامع الكلم لأنه مبعوث لتتميم مكارم الأخلاق كما قال عليه السلام  ولذلك قال الله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم .  وفي تفسير القرطبي قال الجنيد: سمي خلقه عظيما لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى. وقيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، يدل عليه قوله عليه السلام: إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق. لو لم يقتبس القاضي صفة العظمة من نور القرءان لما شمل هذه المعاني المستوعبة.

الثانية والثالثة والرابعة :لم يكن  صلي الله عليه وسلم فظا و لا غليظا بل كان لينا مصداقا لقوله تبارك و تعالي  في سورة آل عمران فبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ( آل عمران 159) 

الخامسة و السادسة أنه صلي الله عليه وسلم كان رؤوفا  للمؤمنين ورحيما مصداقا لقوله تبارك و تعالي في سورة التوبة لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم(سورة التوبة 128)

            تكرار  عمر القاضي صلوا عليه و سلموا تسليما من ألف القصيدة الي ياءها  هي النكتة الهامة هنا,   لأننا نجد هذا الأمر مصداقا لأمر الله عز و جل في سورة الأحزاب إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (سورة الأحزاب56 )ينبه القاضي من خلال تكراره المبحوث عن أهمية دوام الصلاة و ضرورة إيجادها في حياة المؤمن.

فلندخل الي بيت اخر

أحببت أميا يكون عليما           علما يفوق القارئين يتيما

فأتاه جبريل الأمين نديما          فياضة كفاه جد كريما

لما فاض من فيه الشريف هذا البيت استعار القاضي لفظ القرءان أيضا لتصريح عظمة حبيبه صلي الله عليه وسلم . أعني " أميا" مصداقا لقوله تبارك وتعالي في سورة الأعراف "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر إلى آخر الآية  (سورة الأعراف 157)

و انظروا الي بيت اخر

جا رحمة بمكارم متزينا                    متعطفا لجميع خلق محسنا

بشريعة الجد العلي متدينا                   أعني خليل الله إبراهيما

و لما فاض من فيه الشريف هذا البيت اقتبس القاضي صفة الرحمة للنبي المصطفى صلوات الله و سلامه عليه من ضو ء الآية القرءانية في سورة الأنبياء وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين(سورة الأنبياء ) 107. وأيضا  ألقي الضياء إلي التعلقات الوطيدة و الصلات الوثيقة التي كانت بين حبيب الله و بين خليل الله و التي أتى بيانها في الفرقان العظيم في سورة البقرة" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ,سورة البقرة (130)

وهناك بيت آخر,

ختم الإله به النبوة ظاهر                   ما بين كتفيه الختام الفاخر

في الفضل سابقهم و بعثا آخر              يس نبي خاتم مختوما

يتناول هذا البيت صفتين التين و صف القاضي بهما معتمدا علي ضوء القرءان الكريم . أحدهما خاتم النبيين مصداقا لقوله تعالي  في سورة الأحزاب مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(سورةالأحزاب40 )  وثانيهما يس مصداقا لقوله تعالي في سورة يس لعل القاضي عمر البلنكوتي  اعتبر ألفاظ القرءان في قصيدته العمرية علي أتم الإمكانات و أكمل الاستطاعات حينما وصف حبيبه صلي الله عليه و سلم تبركا به و اشتمالا علي معان عدة  متسعة .

·        وتضمنت القصيدة العمرية من الاعتبارات القرءانية في جميع أرجاءها من المهد إلى اللحد ،إلا في بعض الأبيات التي لها علة . ذلك لأنه بعد ما  شرع بيان وقعة الإسراء و المعراج بكلمة القرءان أردف يصرح و يقص كثيرا من معتعلقاتها . فلا نجد طوال هذه الأبيات المذكورة سمتها إلا قليلا من الاعتبارات القرءانية.  نعثر على أن القاضي عمر البلنكوتي كان من يستطيع أن يطول كلامه بمدح النبي المصطفي و مكارم أخلاقه و محاسن صفاته صلي الله عليه وسلم  من حيث يستمد إلى غير المنتهي . بل إنه أثر على ما نز ل به القرءان الكريم خاضعا و متضرعا أمام الصفات المنصوصة أو المشار إليها من لدن حكيم عزيز .ومما لامرية فيه أن في الاعتماد على الاعتبارات القرءانية التي هي كلمات الهيبة  خير من الاعتماد علي المكونات النفسية أو الانفعالية التي هي الكلمات الإنسانية


جنيد الحسني 
محاضر في جامعة عين الهدى

2 تعليقات

أحدث أقدم