لغة الضاد تواصل مسيرتها تأثرا وتأثيرا


إن مما لا يخفى على من له قلب سليم أو ألقى السّمع، بأن اللغات تمثل حضارة الشعوب وثقافتهم وتراثهم كمرآة تبرهن فخامة الإنسان وأناقته وجماله  .وفي العالم يوجد لغات عديدة قديمة وحديثة. ومما لا يرتاب فيه اثنان أن اللغة العربية من أهم اللغات في العالم أجمعه. فإنها تعد من مجموعة اللغات السامية حيث يستخدمها نحو400 مليون نسمة -حسب الإحصائيات الموثوق بها- في كل ناحية من نواحي وزاوية من زوايا العالم.وقد تم اعترافها اليوم من اللغات العالمية الخمس الأكثر استعمالا على الصعيد العالمي.

وقد اكتسبت اللغة العربية مكانة عظيمة على مر الأزمنة في مختلف القارات والأقطار في العالم. وقد لعبت عدة عناصر دورا  هامة في نيلها ما لم تنله أغلب اللغات العالمية الأخرى من المكانة والأهمية والرواج.ومن ضمنها ما كانت دينية وتاريخية وسياسية واجتماعية وتجارية.
حسب آراء أكثر اللغويين والمؤرخين أن يعرب بن قحطان هو أول من نطق بهذه اللغة العريقة حيث انتسب إليه اسم هذه اللغة لاحقا. وممّا زاد من مكانتها أنّ القرآن الكريم نزل باللغة العربية، حيث يسلط الضوء عليه قوله سبحانه وتعالى "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" .وفي آيات.أخرى" كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا". و "إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" .ومن خلال ذلك نفهم كفلق الصبح أن هذه اللغة تبقى حيوية إلى يوم القيامة كما أشار إليه قوله" وإنا له لحافظون" ،فعندما يحفظ الله تعالى قرآنه فيتم حفظ هذه اللغة أيضا.
ومن الحقيقة التي لا يشوبها أدنى شك أن اللغة العربية لغة رسولنا الكريم حيث تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بصراحة هذه اللغة فصيحا وبليغا. كما يسلط الضوء عليه قوله (ص) "أنا أفصح العرب بَيْد أني من قريش وأني نشأت في بني سعد بن بكر ".
ومن القمنّ بالملاحظة أن العربية ارتبطت بحياة المسلمين ارتباطا راسخا حيث أنهم مكلفون من أجل تأدية معظم عباداتهم وتقاليدهم في اللغة العربية.
ومن الخليق بالذكر أن اللغة العربية هي أكثر اللغات تواصلا وتداولا في مجالات التجارة والسياحة والتسويق. ولها  مكانة مرموقة في الشبكة العالمية حيث يوجد هناك العديد من القنوات والمواقع التي تهتم اهتماما لا بأس به باللغة العربية بشكل مستمر مثل قناة الجزيرة وشركة الإذاعة البريطانية(BBC) .

ميزات اللغة العربية

إن اللغة العربية لا تزال تتمتَّع بخصائص عديدة وميزات شتى تُميِّزها عن اللغات الأخرى. تتميز اللغة العربية بثراء رصيدها من الألفاظ والتراكيب والإعراب والنحو والصرف والاشتقاق عن جميع اللغات العالمية .أكبر ميزة تتميز بها العربية بأنها اللغة الوحيدة التي يتم التلفظ بالضاد. لقد حافظت هذه اللغة على أصالتها العريقة مذ نشأتها على مر العصور والأزمنة ، في حين أن اللغات المغايرة برمتها خضعت لتغييرات جذرية تعدم وتفقد موثوقيتها وأصالتها مثل اللغة الإنجليزية.
اللغة العربية هي لغة الضاد حيث أنها تضم بداخلها العديد من المعاني، وتحمل الكثير من محاسن الألفاظ وتكمن بداخلها جمالها وروعتها كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي  
إن الذي ملأ اللغات محاسنا
جعل الجمال وسره في الضاد
وهي لغة تتحدى بالإعجاز العظيم على أنه يوجد فيها كثير من الألفاظ والمصطلحات والمفردات التي لا يمكن ترجمتها وتداولها إلى اللغات الأخرى بالمعنى الحقيقية التي تقتضيها.
ومن الحري بالملاحظة هنا أن صحيفة 'the independent' البريطانية قد نشرت تقريرا حول مدى تأثر اللغة العربية في اللغة الإنجليزية. وقد ورد في هذا التقرير أن اللغة الإسبانية ،خلال فترة حكم المسلمين في الأندلس، قد تأثرت باللغة العربية بشكل كبير. حيث انتقلت منها كلمات عديدة مستخدمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية.على سبيل المثال أن كلمة 'coffe' يرجع أصلها إلى 'القهوة' وقد انتقلت إلى التركية فصارت 'قهفة' ومن ثم انتقلت إلى الإيطالية فأصبحت 'كافية' وأخيرا وصلت إلى الإنجليزية حيث جعلوها 'coffe'.

انتشار اللغة العربية في كيرلا

ومما لا يخفى على أحد أن للهند علاقة عريقة مع العرب منذ القدم. وكانت العلاقات التجارية قد توطدت بينهما قبل بزوغ شمس الإسلام في جزيرة العرب بقرون. وكانوا يقومون بالزيارة فضلا عن العلاقات التجارية فيما بينهم. وفيما يخص انتشار اللغة العربية في بقاع الهند ، كان فيه النصيب الكبير واليد الطولى للنواحي الدينية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى النواحي التجارية الوثيقة فيما بينهم.قد ثبت تاريخياً أن هناك صلات مستمرة عميقة بين تجار العرب وسواحل ملبار منذ آلاف سنين. ووفقا لما قاله الرحالة المؤرخ ابن حوقل أنه كانت اللغة العربية مستعملة في الأسواق التجارية الهندية حيث يهتمون باللغة العربية لكسب قلوب تجار العرب والتقرب إليهم والاستفادة منهم لتحقيق مصالحهم الشخصية والمالية.
    ومما لا يخفى على أحد أن الإسلام قدم إلى كيرلا في القرن الأول الهجري بطريق التجار العربيين المسلمين. فأول من قدم إلى كيرلا بغرض الدعوة إلى دين الإسلام هو مالك بن دينار (رحمه الله عليه) وأصحابه. لقد تأثر أهالي كيرلا بهم حيث أسلموا مما  شاهدوا فيهم من الورع والتقوى وحسن المعاملة والتعايش السلمي تجاههم .وبنوا مساجد عديدة في مختلف أنحاء كيرلا ولعبوا دورا بارزا في انتشار اللغة العربية بالإضافة إلى الدعوة لإسلامية في مختلف أرجاء كيرلا.
ومن ثم أتت إلى هذه المنطقة وفود الدعاة العديدة بقصد الدعوة الإسلامية. ومنهم أسرة الباعلوية بباليفتن، وأسرة البخاري بشافاكاد، وأسرة الجفري بملابرم، وأسرة الشيرازي بنادابرم، وأسرة البافقية بكويلاندي، وأسرة المخدوم المعبري بفنان واستوطنوا هناك.
خلال هذه الفترة، تحولت دراسة اللغة العربية من أهمية تجارية إلى أهمية دينية. وصار تعليم اللغة العربية ضرورة دينية. وأخذت علماء الدين ،منهم العلماء المخدومية بفنان ،يعلمون مبادئ الإسلام للمسلمين الجدد. وكان لهم يد طولى في نشر اللغة العربية بكيرلا عبر كتاباتهم ومؤلفاتهم وخطباتهم ونصائحهم الجلية. ولقد تم تأليف العديد من المؤلفات العربية من خلال هذه الفترة.ومن أبرز الأمثال وأروعها كتاب 'تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان' للشيخ زين الدين المخدوم الأول، 'وفتح المعين' و'تحفة المجاهدين' لزين الدين المخدوم الثاني،'وفتح المبين' للقاضي محمد وهلم جرا .
ومن الناحية الدينية، لقد كان تعليم اللغة العربية ضروريا لتلاوة القرآن الكريم وفهم الأذكار اللازمة في   الصلاة والأدعية.  ومن ثمّ فكر الأمة عن تشكيل نظام جديد لتربية أبنائهم على القواليب الدينية. وكانت المساجد المركز الأول لتعليم مبادئ الإسلام. واستهلوا  الحلقات الدراسية في المساجد، وسميت هذه بالمدرسة المسجدية، وترعرعت هذه الحلقات حتى أصبحت مراكز كبيرة للتعليم الديني والثقافي. ثم صارت هذه المساجد مراكز علوم الدين ودراسة اللغة العربية على حد سواء. حيث ومن ثم تم تأسيس مدارس وكليات عربية تهتم بالدراسات الدينية بشكل عام وتعليم اللغة العربية وآدابها بشكل خاص.
ومما لا خلاف ولا نكير فيه أن اللغة العربية مستعدة وجاهزة تماما لتلقى أي تطوير وترقية في ذاتها بأن يبقى على مقدمة مسيرة الحياة في العصر الراهن، رغم أنها أقدم اللغات العالمية التي تنتهي جذورها في الماضي البعيد، على حيث يستخدم في هذه الأيام كلمات أجنبية كأنها كلمات أو ألفاظ عربية محضة ككلمات 'أيقونة' (Icon) والبنك (Bank)واستراتيجية (strategy) مع أنها في الحقيقة مستعارة من اللغات الأخرى إنما تم تعريبها من لغات أجنبية حتى أصبحت كأنها ألفاظ عربية.
فعلى كل من تعجبه لغة الضاد وتُريحه أن يتخذ منها هوية وأن يبذل قصارى جهودهم وأقصى مساعيهم لتطوير اللغة العربية ولإيصالها إلى مقدمة اللغات العالمية.

 محمد فائز ان ام

2 تعليقات

أحدث أقدم